مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

(ومن سورة حم عسق)

صفحة 479 - الجزء 1

  {وَكُلٌّ في فَلَكٍ يَسبَحونَ}. وإنما يعني بسباحتهم في الفلك - والله أعلم - أنهم فيه يجرون ويدورون.

  ثم قال - لا إله إلا هو - لبعض نعمه على الناس ذاكرا، لحملهم في الفلك ولهم على شكرهم فيها منبها وعنها مخبرا، ولعجيب آياته فيهم معرفا، لذلك تعالى وجل واصفا: {وَآيَةٌ لَهُم أَنّا حَمَلنا ذُرِّيَّتَهُم فِي الفُلكِ المَشحونِ ٤١ وَخَلَقنا لَهُم مِن مِثلِهِ ما يَركَبونَ ٤٢ وَإِن نَشَأ نُغرِقهُم فَلا صَريخَ لَهُم وَلا هُم يُنقَذونَ ٤٣ إِلّا رَحمَةً مِنّا وَمَتاعًا إِلى حينٍ ٤٤}. وكذلك فهو الله الذي حمل البشر في الفلك والبحر، وعلى مثل ذلك من الدواب الحاملة لهم في البر.

  وقد قيل في الخبر: إن الذي مُثِّل بالفلك هي الإبل، وقد تسميها العرب سفن البر، ولشبهها بها ما قرنها الله ø بالسفن في ذكرها، فقال: {وَعَلَيها وَعَلَى الفُلكِ تُحمَلونَ}⁣[المؤمنون: ٢٢]. فهذا فيما ذكر الله من قوله: {وَخَلَقنا لَهُم مِن مِثلِهِ ما يَركَبونَ}. وما نرى - والله أعلم - أن الله أراد بقوله: {وَخَلَقنا لَهُم مِن مِثلِهِ ما يَركَبونَ}. إلا ما حمل وأَقَلَّ من الدواب كلها الإبل وغير الإبل، غير أن للآبال مالها في الحملان من الفضل.

  ثم قال سبحانه: {فِي الفُلكِ المَشحونِ}. فهو المملوء المثقل، وهو الله المنعم المفضل الحامل لذرياتهم، والذريات - والله أعلم - فهي الذرء والمذروء المكثَر من جماعتهم، قال الله سبحانه: {وَهُوَ الَّذي ذَرَأَكُم فِي الأَرضِ وَإِلَيهِ تُحشَرونَ}. [المؤمنون: ٧٩]. يعني يذرؤكم: كثركم ونشركم، وكذلك إذا قيل: ذرية، فإنما يراد جماعة مكثَرة مَذْرِية، والواحد من الجماعة المكثرة المذرية ذرية، والثنتان ذريتان، والثلاث ذريات، فكان هذا - والله أعلم - دليلا على