(ومن سورة حم عسق)
  لمن يعقل فيفهم على أن الذريات هي الجماعات منكم المذريات المكثَّرات، لأنه لو كان مخرجها في الذِّكر إنما يراد بها الذراري دون الآباء، لكنا نرى كثيراً ممن يركب السفن إنما هم الأكابر لا الذراري الأصاغر الضعفاء.
  ولكن الذريات وإن تأول متأول، أو قال قائل: إن الذريات الأطفال، وإن حملهم في الفلك دعة وسكون ومرفق على أبدانهم لضعفهم وصغرهم، وقلة تحريك الفلك لهم.
  قيل له: هذا تأويل يجوز في المعقول، وليس في التأويل بأصل ثابت ولا يزول، لأنه ربما كان من زعازع البحر في كثرة الأمواج، وماله عند عصف الريح من شدة الحرة والارتجاج، أشد على راكب الفلك خطراً، وأهول أمرا، من ركوب أصعب صعاب الدواب، التي تجمح بركبانها غاية الجماح، حتى لا يبقى راكبها لشدة تكفتها وقلقها، عند زعازع الأمواج لها، ولكن التفسير الأول فيما ذكر الله للذريات من الحمل في الفلك أشبه - والحمد لله - وأوجه.
  ثم قال عند ذكر الفلك المشحون، فدل بقوله: {المَشحونِ} على التذكير بالنعمة في حمل ما يحملون من معايشهم وأمتعاتهم وتجاراتهم.
  والفلك عند شحنها أعظم ما يكون خطراً، وأخوف ما يكون أهلها للغرق عليها خوفاً، إذا كانت الشاحن أقرب إلى العطب لثقلها ورسخوها في الماء.
  ثم قال سبحانه عند هذا الذكر بعينه بما تولى من سلامتهم مذكراً: {وَإِن نَشَأ نُغرِقهُم فَلا صَريخَ لَهُم}، يعني: لا مغيث في لجج البحار وأمواجها، يصرخهم ويغيثهم عند غرقهم لهيجان موجها وارتجاجها.
  يقول الله الرؤوف الرحيم، بخلقه الكريم: {إِلّا رَحمَةً مِنّا وَمَتاعًا إِلى حينٍ}، يعني: أن سلامتهم لم تكن وإن كانت الفلك قد وصلوها، وأتقنوا من بنائها وجعلوها كما جعلوها، إلا بحملان من الذي ذكر، والحملان هاهنا