مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

(ومن سورة حم عسق)

صفحة 488 - الجزء 1

  ثم أخبر سبحانه عن تمليكه لهم الأنعام، إذ جعلهم لها مالكين، يفعلون فيها ما يشاءون، وذكر تذليله لها مع عظم خلقها، وشدة أسرها وأوصالها، وغلبتها لما هو أعظم قوة ضعافا من الإنسان، فأمن غضبها وصيالها، وذللها سبحانه مع هذا كله من أمرها للإنسان، فبلغت في الذل والذلة والإقبال والتصرف لضعف الصبيان، يقول الله سبحانه عند ذكر تذليله لها: {وَذَلَّلناها لَهُم فَمِنها رَكوبُهُم}. والركوب للإبل فهي: الراحلة، فمنها لعمري كما قال الله سبحانه: {رَكوبُهُم}. التي يركبون، وبها وبركوبها على أسفارها البعيدة يقوون، لأنها في الأسفار من أفضل ما به يتبلغون، وغيرها من الدواب وإن رُكب لا يقوى على ثقال الأحمال، ولا يصبر في السفر على طول المدة من انقلاب الأيام والليالي على مثل ما يطيقه ركوب الآبال، والرَّكُوب في عربي اللسان من الإبل، فهو ما ذل وركب وحمل، وكذلك الحلوب التي تسميها العرب، فهي المحلوبة التي تحلب.

  ثم قال الله الجواد الكريم، الذي لا يبلغ جوده وكرمه ورحمته جواد ولا رحيم: {وَمِنها يَأكُلونَ}. فهي لعمري عند العرب من أفضل ما يأكلون أطيبه لحماً، وأجزاها في النحر والجزاء أعظمها عظما.

  ثم ذكر مالهم فيها من المنافع الكثيرة التي يعملونها ويرفقون بها من الجلود والوبر، فذكر ما فيه منه من ذلك من منة ومعتبر.

  وذكر سبحانه عظيم النعمة في لبنها السائغ المشروب، فلا يذكر تعالى أبداً ولا يُعجِّب إلا بعجيب، فأي لبن الإبل في فضله وصحته، وجودة غذاءه في الأبدان ومنفعته، وما لشاربه بشربه من عجيب الزيادة في قوته.

  تقول العرب قولاً واحداً، تجمع عليه من بلدانها مع أنه لم يدخل الأجواف شراب قط أصح صحة، ولا أنفع منفعة، ولا أبين في الأبدان أثرا، أطيب لريح