(ومن سورة حم عسق)
  الأجساد طيبا، ولا أنقى لكل آفة وداء، ولا أصفى للألوان صفاء، وألطف للبطون مع شدة العصب البدن لطفاً، من ألبان الإبل.
  ويقال إنما في عرب البادية من صفاء الألوان، ولين الأسنان، وقوة البطش في الأبدان، إنما هو لما يشربون من ألبان الإبل.
  فمتى ذكر الله سبحانه المنة بنعمة بينة لها ما من على الناس من النعم، فليفهم مَن عَقَل وفكر وتفهم، أن في المذكور، خبراً عجيبا من الأمور، وقد أجمع جميع الأطباء، أن ألبان الإبل لكبار من الأسقام أصح الدواء، وهو بعدُ مِن أطيب ما يشرب من اللبن وأنفعه في الغذاء.
  وقد يقول من يشرب المسكر المحرم من مُجَّان العرب وشطارها: إن لبن الإبل يجدونه أصح إذا شربوه من المسكر، لما يجدون من القوة، ويصفي من الألوان، ويلين من أبشارها.
  قال الله سبحانه وتعالى منبها على الشكر لفضل ما جعل من الأنعام، من النعم الكبار العظام: {أَفَلَا يَشْكُرُونَ}. ثم رجع القصص والخبر إلى ما في أول السورة، من تنبيه المنذرين الذين ذكر الله سبحانه أنه بعث إليهم رسله للتذكير والنذارة، فذكر ضلالهم في أصنامهم، وما يقولون به كذباً ويموهونه باطلاً في عبادتهم من النصرة: {وَاتَّخَذوا مِن دونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُم يُنصَرونَ}. ثم أخبر الرحمن الرحيم أن آلهتهم لا يستطيعون نصرهم، وأنهم جند لهم محضرون.
  ثم عزا نبيه ÷ عما يجد من الحزن بقولهم، والغم الذي يعزيه رحمة منه ÷ لعشيرته من النار، وحزنا لما يكذبونه فيما أنذرهم وأخبرهم من صادق الأخبار، فقال تعالى: {فَلا يَحزُنكَ قَولُهُم إِنّا نَعلَمُ ما يُسِرّونَ وَما يُعلِنونَ}.