مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

باب ذكر التوبة

صفحة 48 - الجزء 1

  فرحم الله عبد اتقى الله في نفسه، وتطهر بالتوبة إلى الله قبل الفوت، ونزول الموت، بيديه ولم تغره الحياة الدنيا ولم يغره بالله الغرور، فليبادر مَن غفل بالتوبة قبل أن يسألها فلا يجاب إليها، والله جل ثناؤه يقول: {إِنَّمَا التَّوبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذينَ يَعمَلونَ السّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتوبونَ مِن قَريبٍ فَأُولئِكَ يَتوبُ اللَّهُ عَلَيهِم وَكانَ اللَّهُ عَليمًا حَكيمًا ١٧ وَلَيسَتِ التَّوبَةُ لِلَّذينَ يَعمَلونَ السَّيِّئَاتِ حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ المَوتُ قالَ إِنّي تُبتُ الآنَ وَلَا الَّذينَ يَموتونَ وَهُم كُفّارٌ أُولئِكَ أَعتَدنا لَهُم عَذابًا أَليمًا ١٨}⁣[النساء: ١٧ - ١٨].

  فالتوبة قائمة مبذولة من حين يواقع العبد الذنب إلى قبل حضور أجله، ولو بطرفة عين، وحضور موته الذي لا يقبل له معه وعنده توبة معاينة ملك الموت والملائكة À، والسبب الذي يشاهده العبد إذا حضره الموت لم يعلمه ولا أحد من البشر غيره، فحينئذ تعظم ندامته، وتكثر وتدوم حسرته، والله بهذا من وقت نزول الموت، وانقطاع الأجل عن العبد أعلم، وإنما يأتيه موته وأجله بغتة، وحينئذ تعظم حسرته إذا فرط في التوبة، ويندم حين لا تنفعه الندامة ولا الحسرة.

  فعلى المؤمن أن يكون أبدا مستعدا ثابتا، نسأل الله أن يبارك لنا ولكم في قليل أيام الحياة، وأن يبارك لنا ولكم في انقطاع آجالنا بالموت والفناء، إذا حل ونزل بنا، وفي العرض يوم القيامة على ربنا، {يَومَ تَجِدُ كُلُّ نَفسٍ ما عَمِلَت مِن خَيرٍ مُحضَرًا وَما عَمِلَت مِن سوءٍ تَوَدُّ لَو أَنَّ بَينَها وَبَينَهُ أَمَدًا بَعيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفسَهُ وَاللَّهُ رَءوفٌ بِالعِبادِ}⁣[آل عمران: ٣٠].