مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

(ومن سورة حم عسق)

صفحة 491 - الجزء 1

  خلقه من النطفة وما قدرها وفيها من صورته، فالله الذي خلقه بعد إذ لم يكن، هو القادر على تجديده ما بلي له بعد الموت من البدن، لأن عمارة الخراب من الأشياء، وتجديد ما بقي لها من البقايا، أقل من المعقول المعروف وأهون من الاختراع لها والابتداء.

  ثم قال - لا إله إلا هو - للذكر الجاهل، التائه في ضلاله الغافل، الذي لم يفهم قدرة ربه القدير ولم يعقل: {وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا}. وهذا مثله الذي ضرب، وسُمي: مثلا لما دل عليه من قصة عجيبة شبيهة بالمثل، وهي إنكاره قدرة الله على إحياء الموتى.

  ثم قال: {وَنَسِيَ خَلقَهُ}، أي: ترك خلقه أن يستدل به، أو شبهاً على الاعتبار به، أي: مثَّل لنا مثلاً ونسي ابتداء خلقه، وما هو حجة عليه، وهو أن الله ابتدأه واخترعه من نطفة، ولم يكن شيئا حتى صوَّره وهيَّاه، وقدَّره كما قدَّر سواه، وإن إعادته بعد البلاء، أقل من الإنشاء والابتداء، وذلك حين قال الإنسان الضال الذميم: {مَن يُحيِي العِظامَ وَهِيَ رَميمٌ}؟! استبعاد أن يعود خلقا جديدا.

  فأمر الله تعالى نبيه أن يجيبه بما فيه دليل لأولي الألباب، فقال سبحانه: {قُل يُحييهَا الَّذي أَنشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ} في الدنيا، أي: مَن قدر على إنشائها أول مرة من غير شيء، فهو قادر على إعادته في النشأة الثانية من شيء.

  ثم قال سبحانه: {وَهُوَ بِكُلِّ خَلقٍ عَليمٌ}، يريد: أن الله ø عالم من وجود الخلق بما لا يعلمه إلا هو، فهو عالم كيف يخلق مبتدئا إذا خلق، وكيف يخلق البدن بعد بلائه خلقاً ثانيا إذا بلي وتمزق، كل هذا من الخلق وغيره من وجوه خلق المخلوقات، التي خلقها بين الأرض والسماوات، فهو فيه بكل خلق عليم، هو عند من كان ذا فهم وعقل يفكر في قدرته قادر على إحياء العظام وهي رميم، والرميم اسم لما بلي من العظام، غير صفة كالرمة