(ومن سورة حم عسق)
  والرفات، فلذلك لم يؤنث حيث أخبر به عن المؤنث، فلا يقال: لم يؤنث وقد وقع خبر المؤنث، ولا هو فعيل بمعنى: فاعل أو مفعول، وفيها دليل على أن الحياة تحل العظام.
  ثم زاد تبارك وتعالى مَن نظر واعتبر آية أخرى، وهي من آياته ودلائل قدرته الكبرى، ومكذبة لمن كان بجهله لإحياء الموتى منكرا، فقال - لا إله إلا هو - مذكرا ومعبراً: {الَّذي جَعَلَ لَكُم مِنَ الشَّجَرِ الأَخضَرِ نارًا فَإِذا أَنتُم مِنهُ توقِدونَ}. والشجر الأخضر فهو الرطب المخضر، إذا قدحت بعيدانه النار مع خضرته وندوته، فجعل الله النار المحرقة في عيدانه آية مسكته غير محرقة، لما هي فيه من العيدان، لا يراها رآء ببصر ولا عيان، حتى يخرجها الله بالقدح من العود للإنسان.
  فأي أعجوبة أعجب، أو آية في التنبيه على قدرته أقرب، من هذه الآية إذ يخرج الله النار الحارة المحرقة، من عيدان الشجر الباردة الخضراء المورقة؟!
  ويقال: إنها - والله أعلم - شجرة المرح، وهي شجرة من أسرع الشجر عند القدح للنار إبرآء، وهي أبداً في القحط والخصب خضراء، وهذه آية عظيمة من عظام الآيات بغير ما شك ولا امتراء، يقول الله سبحانه: {فَإِذا أَنتُم مِنهُ توقِدونَ}. أي: من الشجر الأخضر.
  ثم ذكَّرهم بما هو أعظم في الحجة على قدرته عظما، وأَفهَمَهَم لمن ينتبه على ترك الغفلة فهما، في خلق السماوات والأرض، فقال: {أَوَلَيسَ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ بِقادِرٍ عَلى أَن يَخلُقَ مِثلَهُم}. أي: مثلهم في الصغر والقلة بالإضافة إلى السماوات والأرض، أو يعيدهم لأن المعاد مثل المبتدأ وليس به، قال الله الصادق الكريم: {بَلى وَهُوَ الخَلّاقُ العَليمُ}. فذكَّرهم بالعظيم الجليل من قدرته، من خلق أرضه وسماواته، ونبههم على أنه