مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

(ومن سورة حم عسق)

صفحة 493 - الجزء 1

  إذا قدر على أن يخلق العظيم الكثير من ذلك، أو أقل منه في قدرته إحياء رميم عظام كلِ ميتٍ هالك، لأن من خلق جميع بني آدم من أول الدنيا إلى آخرها، أقل من خلق الأرض كلها فضلا عن السماوات التي هي أضعافا من الأرض وعظمها وكبرها.

  ثم مثَّل تعالى سرعة فعله من خلقه وصنعه، بقوله ø: {إِنَّما أَمرُهُ إِذا أَرادَ شَيئًا أَن يَقولَ لَهُ كُن فَيَكونُ}. خبرٌ من الله ، وإفهام لعباده، وتبيين أنه لا يعاني من آذى خلقه من الخلق والصنع والأمور، بمعاناة كلفة ولا مزاولة كفّ ولا بنان، إذ هو متعال عن أن يوصف بأعضاء وغير شبيه بالإنسان، وأن أمره إذا أراد خلقاً أو شيئا، أن يقول له في أسرع من لمح البصر كن فيتمثل كائنا، يقول الله سبحانه منزِّهاً: {فَسُبحانَ الَّذي بِيَدِهِ مَلَكوتُ كُلِّ شَيءٍ}. فسبحان - هاهنا وفي جميع القرآن - فإنما معناها: بُعدان، يريد الله سبحانه أنه: بعيدٌ عما قال به الجاهلون، وأنكره من قدرته على إحياء الموتى الكفرة الذي لا يعقلون.

  وأما قوله تعالى: {الَّذي بِيَدِهِ مَلَكوتُ كُلِّ شَيءٍ}. فمعناه - والله أعلم - الذي في ملكه وقدرته ملكوت كل شيء، واليد عند العرب وأهل الفصاحة منهم، فهي القدرة لا اختلاف في ذلك بينهم، ولذلك ما يقول الله ø في تنزيله، عند الصداق في النكاح وذكرِه، {إِلّا أَن يَعفونَ أَو يَعفُوَ الَّذي بِيَدِهِ عُقدَةُ النِّكاحِ}⁣[البقرة: ٢٣٧].

  فعقدة النكاح ليست بعقدة حبل معقودة، ولا هي في يده وقبضته ترى كالعقد معاينة موجودة، وإنما هي في يده بملكه لها، وولايته إياها، فكذلك الله فَبِيَدِه ملكوت كل شيء، إذ يقول الله المالك للأشياء كلها، الذي خلقها