مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

[موالاة المؤمنين]

صفحة 50 - الجزء 1

  الأجناس البعيدة، فلم يوجب الإيمان لمن حآده وعصاه وعصى رسوله، ولا لمن أحبهم وزادهم، فعلم كل مَن فَهِمَ عن الله أنه لم يوجب الإيمان لمن يوآد أباه وابنه وأخاه وعشيرته على معصية الله، وأنه يوجب الإيمان لمن أبغضهم وعاداهم، فهذا فرض الله على من آمن أن لا يوآد من قريب قرائبه ممن سمى على ارتكاب معصيته ومحادته، ولغرض عصية.

  وكذلك فعل إبراهيم نبي الله وخليله صلى الله عليه في تبرئه من أبيه، حين بان له عداوته لله ربه وبارئه، قال الله سبحانه: {وَما كانَ استِغفارُ إِبراهيمَ لِأَبيهِ إِلّا عَن مَوعِدَةٍ وَعَدَها إِيّاهُ فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنهُ إِنَّ إِبراهيمَ لَأَوّاهٌ حَليمٌ}⁣[التوبة: ١١٤]. وهذه صفة من صفات المؤمنين، وعدهم الله بها مغفرته ودخول جنات النعيم، قال الله سبحانه: {وَسارِعوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّماواتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقينَ}⁣[آل عمران: ١٣٣]. ثم أخبر تبارك وتعالى بعملهم الذي كانوا به للجنة مستحقين، فقال في صفتهم: {الَّذينَ يُنفِقونَ فِي السَّرّاءِ وَالضَّرّاءِ} - والسراء: اليسرى، والضراء: العسرى - {وَالكاظِمينَ الغَيظَ} - وكظم الغيظ مما يحب الله عند جهل الجاهلين، ثم قال: - {وَالعافينَ عَنِ النّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحسِنينَ}⁣[آل عمران: ١٣٤]، ويحب العفو عن الناس، ومن عفى فهو عند الله من المحسنين.

  ثم قال سبحانه مرغبا في الاستغفار والتوبة للتائبين: {وَالَّذينَ إِذا فَعَلوا فاحِشَةً أَو ظَلَموا أَنفُسَهُم}⁣[آل عمران: ١٣٥]. فافهموا - رحمكم الله - قوله