مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

[الإنفاق]

صفحة 52 - الجزء 1

  يخبر سبحانه أنه لا يلقاها فيفعلها يعني سبحانه: هذه الخصلة من الحلم إلا كل ذي حظ عظيم في طلب رضوان الله بالصبر والكظم.

  ولقد بلغني في الخبر المنقول الصحيح المعروف أن رجلا في أيام معاوية قال: «دخلت المدينة فرأيت رجلا جهرني - يريد أعجبني جماله وكماله - قال الشامي - وكان مبغضا لآل محمد أموي الهوى والرأي - قال: فقلت: من هذا؟ فقيل لي: هذا الحسن بن علي. قال الشامي: فحسدت عليا أن يكون له ابن مثله. فقلت له: أنت ابن أبي طالب؟ فقال: إني ابنه. قال: فقلت له: فبك وبأبيك، وبك وبأبيك يلعن ويشتم علي بن أبي طالب. قال الشامي: فاوم الحسن، يعني: سكت فلا يجيبني بشيء. ثم قال: أحسبك عربيا؟! قال: قلت: نعم. فقال لي الحسن: وإن سألتنا أعطيناك، وإن استرفدتنا رفدناك، وإن استعنتنا أعناك. قال الشامي: فما رمت من موضعي حتى ما كان أحد أحب إلي منه».

  وكان كظم الحسن رحمة الله عليه لغيظه عن الشامي اتباعا منه لقول الله سبحانه: {ادفَع بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا الَّذي بَينَكَ وَبَينَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَميمٌ}⁣[فصلت: ٣٤]. فتفضلُ الحسن ~ ودفعه بالتي هي أحسن عن الشامي الذي بينه وبينه العداوة عن عداوته إلى المودة له وإلى محبته، فلم يرم الشامي من موضعه حتى ما كان أحد أحب إليه منه في الإنفاق.

[الإنفاق]

  ومن عظيم ما يرضي الله عن المؤمنين، أن يكونوا لما رزقهم من رزقه لإخوانهم مواسين، وأن لا يكونوا بأموالهم أشحاء باخلين، وقد ذكر الله في مواضع كثيرة وآيات عدة، أن من صفات عباده المتقين أن يكونوا ما رزقهم منفقين، فقال في سورة البقرة وهو يخبر عما في الإنفاق من المؤمنين، مما