مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

[التوحيد]

صفحة 8 - الجزء 1

  بالتكوين، وإن أخر خلقه المحكمات المتقنات بحكمته قبل خلقها، كيف يكون خلقه لها إذا صنعها.

  وسأضرب لكم في ذلك مثلا، ألا تعلمون أن العالم بالبناء القوي عليه بناءٌ وإن لم يبن، والبحَّار بحارٌ إذا كان عالما بالبحارة وإن لم يبحر، والطبيب طبيب إذا كان عالما بالطب والدواء والعلاج وإن لم يتطبب ويداوِ، وكذلك الفارس فارس إذا كان عالما بالفروسية والركوب، وكذلك العالم بما يكون من الأمر عالم وإن لم يكن المعلوم، وإذا كان هذا في المجاز والمعقول مفهوما في عجزه الخلق المحدثين، فكيف لا يجوز الذي له القدرة الكاملة والقوة القاهرة؟! وإن لم يكن الخلق موجودين، فيسمى سبحانه بهذه الأسماء، إذ هي واجبة له قبل وجود الأشياء، إذ هو القادر ذو القوة المتين، ثم خلق الأشياء فأظهرها وأوجدها بقوته عليها حين أراد خلقها، فلما نشأ البرايا وصنعها ظهرت رحمته في المرحوم، وبدت حكمته ولطيف تدبيره وإتقان تقديره، في المصنوع، وبدا جوده ظاهرا حين خلق مَن أعطاه وجاد عليه، ونعمه على من أعطاه إياها، وأحسن إليه بعطايا نعمه التي لا تحصى، ومواهبه الجزيلة التي لا تنقطع ولا تتقصى، وفضله الذي عم به من [في] الأرض والسماء، فأظهر من ذلك ما لا يحصى عدده، ولا ينقطع أبدا مدده، فهو سبحانه الأول قبل الأوائل المذكورة، وهو العالم التام علمه بلا نقص شيء من تَذَكُّر ولا فكرة، لأن كل عالم سواه إنما عَلِمَ بعد جهل وتعلُّم، وفكرة تخيلها وتوهُّم، وعلم الله سبحانه فهو علم تام لا تتوهم شيئا ثانيا سوى الله، فالله ø هو العالم قبل كل معلوم، والراحم قبل كل مرحوم،