[دلالة العقل]
  فهذه الوجوه وجوه المنافع، أراد الله سبحانه أن يوصلها إلى عباده مصلحة لهم، ولم يمكن السبيل إليها إلا بالفعل الصالح والألم المصلح، فابتلاء العباد بما تسكن إليه نفوسهم وتهواه، أو تحبه وتشاه، وابتلاؤهم بما تكرهه نفوسهم وتنفر عنه ولا تشاه، لأنه غام، والآخر سار، والنفس إلى الرفاهية أَمْيَل، وإلى ما تقدم من النفع أعجل، وهو بالمصلحة أعلم - سبحانه - من خلقه، فقال سبحانه: {فَأَمَّا الإِنسانُ إِذا مَا ابتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقولُ رَبّي أَكرَمَنِ}[الفجر: ١٥].
  يا هذا أكرمك لتعصيه وتفسد في أرضه! وتظلم عبده! ما هذا يستحق من أكرم؟! {وَأَمّا إِذا مَا ابتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيهِ رِزقَهُ فَيَقولُ رَبّي أَهانَنِ}[الفجر: ١٦]، أهانك يا هذا لينتفع أو يدفع عن نفسه بإهانتك ضررا، جل وعلا! أو ليس هو الغني الحكيم العزيز، لا يحتاج ولا يذل، والحكيم لا يفعل القبيح، وأي قبيح أقبح من إدخال الإهانة على غير مستحقها؟! ولا والله ولكن جهلوا الله سبحانه فجهلوا أفعاله، وإنما يبتلي العباد بهذين الوجهين، لأن ذلك مصلحة لهم وإن كانوا لا يعلمون، كالجدب والخصب، والصحة والمرض، والقوة والضعف، والسواد والبياض، والشرف والدُّون، فمن صبر على ما لا يحبه أُجر، ومن شكر على ما يريد أُجِرا، لأن الدار دار بلوي، وليست بدار البقاء، ولا دار الجزاء، فلا يكون فيها محن ولا ابتلاء.
[دلالة العقل]
  وفي العقل دلالة على صحة ما فعل الله تبارك وتعالى بالعباد، ليرفعهم به إلى أجَّل المنازل، ألا ترى أن الحكيم متى يؤدب ولده وأهله ومملوكه بالضرب