أصول الأحكام الجامع لأدلة الحلال والحرام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

من باب الشهادات

صفحة 1274 - الجزء 1

  النصارى جائزة، ولا يجوز شهادة اليهودي على النصراني ولا النصراني على اليهودي، للخبر المتقدم وهو قوله ÷: «لا تقبل شهادة ملة على ملة إلا ملة الإسلام». وبه قال ابن أبي ليلى والأوزاعي، والحسن بن صالح، والليث بن سعد، وكثير من المتقدمين، وذهب أبو حنيفة إلى جواز شهادتهم بعضهم على بعض اليهود على النصارى، والنصارى على اليهود. وذهب الشافعي إلى أنها لا تقبل بوجه من الوجوه.

  ووجه قولنا: الخبر، والأصل في قبول شهادتهم قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ}⁣[المائدة: ١٠٦] إلى قوله: {أو آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ}⁣[المائدة: ١٠٦].

  أراد بقوله: {مِنْ غَيْرِكُمْ} من غير المؤمنين، لأن الخطاب ورد في المؤمنين، فتقديره من غيركم أيها المؤمنون وذلك للضرورة في السفر بشرط أن لا يوجد غيرهم، وأيضاً فعند الشافعي أن شهادة أهل الأهواء مقبولة إلا الخطابية، فإن بعضهم يشهد لبعض إذا أقسم له وذلك يوجب الفسق، لأنه شهادة على الكذب، ولا خلاف أن شهادة الفاسق غير مقبولة، فكان مَنْ ضلاله من طريق التدين أولى بقبول الشهادة عند الاضطراب من قبول شهادة المتهتك.

  فإن قيل: فعلى هذا أجيزوا شهادة الوثنية والملحدة.

  قلنا: ذلك محظور بالإجماع، وأيضاً فإن وصية اليهودي إلى اليهودي جائزة والوصية من شرطها الأمانة، ألا ترى أنها لا تجوز الوصية إلى الفاسق.