من كتاب القضاء والأحكام
  وجه قولنا: أنهما يحتاجان إلى تقرير شهادة كل واحد منهما بشهادة شاهدين سواء كان ذلك بشهادة شاهدين أو أربعة إذا شهد كل واحد من الشاهدين على شهادة كل واحد من شاهدي الأصل، فأما قول من يقول: يشهد على كل واحد واحد، فبيِّنُ الفساد إذ لو قبل ذلك لقبل شاهد واحد في سائر الشهادات، لا خلاف في أن من رأى خطاً لإنسان أنه لا يجوز أن يشهد به، وكذلك لا يجوز أن يشهد على خطه إذا لم يتيقن الشهادة، والأصل في ذلك قول النبي ÷ لمن سأله فأراه الشمس، وقال: «على مثلها فاشهد وإلا فدع».
  فإن قيل: روي أن النبي ÷ كتب كتاباً وختمه ودفعه إلى بعض أصحابه وقال: «لا تفتحه حتى تبلغ(١) موضع كذا، فإذا بلغته فتحته وعملت بما فيه».
  قلنا: هذا جرى مجرى الإخبار دون الشهادة، وقد احتيط في الشهادة ما لا يحتاط في الأخبار ألا ترى أنه يقبل خبر الرجل الواحد والمرأة الواحدة، وليس كذلك في الشهادة، ولا خلاف في أن شاهدين لو شهدا على إقرار رجل بحق عليه لآخر، واختلفا في الموضع الذي وقع فيه الإقرار أن الشهادة جائزة، وكذلك لا خلاف في أن الشهادة في الحدود بخلاف ذلك إلا ما روي عن أبي حنيفة أنه قال: لو اختلف شهود الزنا في موضع من البيت أن الشهادة جائزة وخرجه أصحابه على
(١) في (ب): تبلغ.