أصول الأحكام الجامع لأدلة الحلال والحرام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

من باب القول في أمان أهل الإسلام لأهل الشرك

صفحة 1437 - الجزء 1

  الأمان إلى مدة يسيرة، وقوله تعالى: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ}⁣[التوبة: ٤] وقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ...} إلى قوله: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ}⁣[التوبة: ٢٩] وروي عن النبي ÷ أنه أمن أهل مكة مدة فكل ذلك يدل على أن الأمان لا بد أن يكون إلى مدة، ولا يجوز أن يكون مؤبداً، ولا خلاف في ذلك نعرفه.

  قال يحيى بن الحسين @: وإن سيقت الغنائم وحيزت، ثم أتت جماعة من المسلمين فادعوا أنهم كانوا أمنوا نفراً منهم، وكانوا قد حضروا القتال والغنيمة، ولم يتكلموا بشيء منه، ثم تكلموا بعد لم يقبل الإمام منهم قولهم، وإن كانوا في وقت القتال والغنيمة غيباً، ثم حضروا وادعوا قبل الإمام قولهم إن أقاموا عليه البينة. والأصل في هذا أنه مصدق في قوله: أمنتهم ما دام مالكاً، لأن يؤمنهم وتكون ولا يته في ذلك ثابتة، فإذا لم يملك أن يؤمنهم وتكون ولا يته في تلك الحال زائلة لم يسمع قوله إلا بالبينة، كما أن إقراره لا يلزمه إلا فيما في يده، وكما أن أبا الصبية الصغيرة إذا أقر بنكاحها في حال صغرها ثبت، وإن أقرَّ به في حال كبرها لم يلزم، فأما الفرق الذي فرقه يحيى بن الحسين # بين من حضر القتال، ومن لم يحضر، فإنما هو لتأثيم من حضر وسكت، فأما في الحكم فإنه يستوي فيه من حضر ومن لم يحضر في أنه لا يقبل قولهما، إلا بالبينة، فأما الإمام فإنه يقبل قوله من غير بيّنة إن قال [إنه]: قد أمن قوماً، لأنه يحكم بعلمه، وإن لم يكن له بيّنة، فأما الأسير فلا أمان له، لأنه مقهور، وليس ممن يقاتل فأشبه الصبي، وليس يلزم عليه العبد والمرأة، لأنهما متمكنان من القتال، وإن لم يكونا من أهله، وكذلك المريض له حرص ومعونة، وليس كذلك الأسير في أيدي أهل الحرب، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه.