من باب تلف الرهن
  الأمانة والرهن فقال تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ}[البقرة: ٢٨٣] فصح أن الرّهن ليس بأمانة وإذا لم يكن أمانة كان مضموناً، والصحابة مجمعون على أن الرهن مضمون، وإنما اختلفوا في كيفية الضمان على ما ذكرنا، والوجه ما تقدم، وقوله ÷: «لصاحبه غنمه وعليه غرمه» يدل على أنهما يترادان الفضل، وأن الزائد على الدين مضمون؛ لأن صاحبه يغنم الزيادة ويغرم النقصان، وهو إذا كان الرهن ناقصاً عن الدين، وأيضاً فإن الرهن بدل من الدين والدين مضمون، فوجب أن يكون الرهن كله مضموناً كالدين، ولما(١) كان الثمن عوض المبيع والمبيع مضمون وجب أن يكون الثمن مضموناً، فكذلك الرهن والدين.
  فإن قيل: إن قول رسول الله ÷: «لا يغلق الرهن» ورد فيما كانت الجاهلية تفعله، وذلك أنه روي أنهم كانوا إذا رهن الراهن شيئاً قال للمرتهن: إن جئتك بحقك في وقت كذا وكذا وإلا فالرهن لك.
  قلنا: وهذا لا ينقض قولنا، لأن الخبر إذا ورد في سبب لم يجب قصره عليه، وأما قول شريح: الرهن بما فيه فقد أجمعت العلماء بعده على خلافه، فإذا امتنع الراهن من إيفاء المرتهن حقه فعندنا وعند الشافعي وأبي يوسف ومحمد يبيع الحاكم عليه الرهن ويوفى منه المرتهن، وقال أبو حنيفة: يحبسه الحاكم حتى يوفيه.
(١) في (ب): فلما.