أصول الأحكام الجامع لأدلة الحلال والحرام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

من كتاب الأيمان والكفارات

صفحة 1045 - الجزء 1

  واعلم أن الأيمان مصروفة إلى النيات إذا كان اللفظ مطابقاً للمعنى في حقيقة أو مجاز، وإلى العرف، وإلى صريح اللغة، والعرف أولى من صريح اللغة إذا كانت اليمين مبهمة، والدليل على ذلك أن من حلف أن لا يشتري دابة فاشترى هرة أنه لا يحنث، والهرة في صريح اللغة من الدواب لقول الله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ ...}⁣[الأنعام: ٣٨] الآية. فكان ردّ اليمين المبهمة إلى العرف أولى، واختلف قول أبي حنيفة في هذا فقال: ليس العنب والرطب والرمان من الفاكهة واستدل بقول الله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ}⁣[الرحمن: ٦٨] وقال: ليس الشيء يعطف على نفسه، وبقوله تعالى: {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا ٢٧ وَعِنَبًا وَقَضْباً ...}⁣[عبس: ٢٧ - ٢٨] إلى قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً}⁣[عبس: ٣١] وقال: ليس اللؤلؤ من الحلي، ولا يعتبر قول الله تعالى: {وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا}⁣[النحل: ١٤] وقوله: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}⁣[الحج: ٢٣]، وهو أيضا في العرف من الحلية عند كل الناس فصح فساد قول أبي حنيفة، وأما في الفاكهة فهي أيضاً في العرف ما يتفكه به من الثمار التي⁣(⁣١) تأتي وقتاً من الزمان وتُفْقَدُ وقتاً، وكذلك العنب والرمان، وأما قول الله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ}⁣[الرحمن: ٦٨] فإنه عطف بعض تفسير المجمل على بعض، فالمجمل قوله: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ} والفاكهة مجملة والنخل والرمان من بعض تفسير المجمل، ومثل ذلك قول الله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ ...}⁣[البقرة: ٩٨] الآية، وقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنْ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ ...}⁣[الأحزاب: ٧] فصح ما ذكرنا.


(١) في (أ، ب، ج): الذي.