النسب وأنواعها
  ١٤٣ - وَعَكْسُهُ الإنشاءُ وهو طَلَبِيْ ... وغيرُهُ كَمَا أَتَى في الكُتُب
  أشار الناظم إلى بيان أقسام الكلام، والمرادُ به: اللفظُ المركب المفيد بالوضع، وهو ينقسم إلى خبر وإنشاء، وقد أشار الناظم إلى القسم الأول بقوله: أَنَّ الخَبَر ... إلخ: فالخبر: هو الكلام الذي لنسبته خارج يطابقه أولا يطابقهُ، وإنما قال: الكلام، ولم يقل: اللفظ؛ لأن الكلام أخص مِنْهُ، وبه تخرج الإشارة والكتابة، وبقوله: الذي لِنِسبَتهِ ... إلخ: يخرج الإنشاء، فالخبر هو الكلام المشار بنسبته إلى خارج متحقق في أحد الأزمنة الثلاثة التي هي الماضي والحال والاستقبال.
النِّسَبُ وَأَنْوَاعُهَا
  واعلم أن النِّسَبَ أربع: نفسيتان وخارجيتان، فأولى النسبتين: تصورية: وَهِيَ تصور نسبة المحمول كقائم، إلى الموضوع كزيد من دون إذعان النفس بها؛ وتسمى هذه النسبة وقوعية ونسبة بين بين، ومورد الإيجاب والسلب وأُخراهما: إدراك النفس أن تلك النسبة واقعة أو لا واقعة، وجزمها بذلك وإيقاعها له، وتسمى نسبة إيقاعية ونسبة حكمية، وتصديقًا وإيجابًا وسلبًا، وإثباتًا أو نفيًا، فهي علم بنسبة أخرى موضوعها تلك النسبة الأولى، ومحمولها التصديق كأن المتكلم يقول: الوقوعية يصدق بها أو لا يصدق بها، وأما الخارجتان عن النفس فإحداهما اللفظية: كلفظ زيد وقائم مثلًا التي يشار بها إلى ما في النفس والأخرى مِنْهُما: هي ما في نفس الأمر أعني الخارج عن النفس واللفظ وهو المراد بقولنا: الذي لنسبته خارجِ أي خارج عن النفس واللفظ، إذا عرفت هذا فإن كانت النسبة المذكورة تطابق الخارج أي الواقع في نفس الأمر كأن يكون زيدٌ قائمًا فالخبر صدق وإلاَّ يتطابقان فكذب، نحو: ألا يكون زيدٌ قائمًا مثلًا فصدق الخبر مطابقته للواقع، وكذبه عدم مطابقته للواقع، هذا هو كلام الجمهور ولا واسطة بينهما، وقال النظام(١): الصدق: ما طابق الاعتقاد وإن خالف الواقع، والكذبُ: ما خالف الاعتقاد وإن طابق الواقع، وقال الجاحظ: الصدق ما طابق الواقع والاعتقاد معًا، والكذب ما خالف الواقع والاعتقاد معًا، فأما ما طابق أحدهما دون الآخر فلا يسمى عند الجاحظ صدقًا، ولا كذبًا، وَهِيَ أقوال مردودة باطلة، إذا عرفت هذا فالخبر صدق وكذب ولا قسم ثالث عند الجمهور، وكل خبر لابد فيه من دلالته على حكم ونسبة في الخارج أي خارج
(١) النظام: إبراهيم بن سيار البصري أبو إسحاق النظام معتزلي، أعلام الزركلي ١/ ٤٣.