فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

الدليل الثالث الإجماع

صفحة 132 - الجزء 1

  وفاسقه، وكذا المتأَوِّلُ عند جمهور أئمتنا ويفهم من قولنا: بأيِّ عَصْرِ: أنه لا يشترط في انعقاده انقراض العصر أي عصر المجمعين، بل إذا انعقد ولو حينًا يسيرًا لم يجز لهم ولا لغيرهم مخالفته وقيل: بل يشترط، ورُدَّ بأن الدليل لم يفصل بين ما انقرض عصره وما لم ينقرض ولأنه يلزم ألَّا ينعقد إجماع؛ لتداخل القرون، قوله:

  ١٩٣ - وَأَنَّهُ مُنعقِدٌ كَمَا ذُكِرْ ... يا صاحِ مَعْ سَبْقِ خِلافٍ مُسْتَقِرْ

  أشار بهذا إلى خلاف الأشعري⁣(⁣١) وابن حنبل والجويني والغزالي والصيرفي⁣(⁣٢): أنه لا ينعقد الإجماع مع سَبْق خلاف مستقر من المجمعين أو من غيرهم محتجين بأن الخلاف السابق يتضمن الإجماع على حقية كل من أقواله فلا تنقلب هي⁣(⁣٣) أو بعضها خطأ إذ يعود ذلك على كون الإجماع حجة قطعية بالنقض، قلنا: لا نسلم تضمِنْهُ الإجماع، بل مسكوت عنه وكل فرقة تجوز ما تقول وتنفي الآخر ولو سلم فهو مشروط ألَّا يقع إجماع على خلافه، وأيضًا فإنه قد وقع والوقوع فرع الجواز فإنه ذكر في صحيح البخاري أن سعيد بن المسيب قال: اختلف علي وعثمان وهما بعُسْفان في المتعة فقال علي #: ما تريد؟ أتنهى عن أمر فعله رسول الله ÷؟ فلما رأى ذلك علي # أهل بهما جميعًا⁣(⁣٤).

  قال البغوي في شرح السنة [١/ ٤٦٢]: هذا خلاف محكي وأكثر الصحابة على جوازه واتفقت الأمة عليه، وقال أيضًا: اتفقت الأمة على جواز الإفراد والتمتعِ والقِرَانِ، قوله:

  ١٩٤ - وَجَزمَ الجمهورُ من أهلِ الرَّشَدْ ... بأنَّ لَا بدَّ لَهُ مِنْ مُسْتَنَدْ

  ١٩٥ - مُحَقَّقٍ فِيْهِ وإن لم يُنْقَلِ ... وَلَوْ قِيَاسًا مِنْ خَفِيٍّ أو جَلِيْ

  اعلم أن المختار عند أئمتنا والجمهور أنه لابد للإجماع من مستند إما دليل أو أمارة وإن لم ينقل إلينا لأن الإجماع بلا مستند محال، خلافًا لبعضهم محتجًا بأن الحجة هو المستند، لا هو، فيعْرَى حينئذ عن الفائدة، وأجيب بانتفاء إصابة الحق مع فقده ولأن اتفاق الكل لا لداع يستحيل عادة والعراءُ عن الفائدة ممنوع إذ فائدته حرمة المخالفة وسقوط البحث عن


(١) الأشعري: علي بن إسماعيل بن إسحاق، رأس الأشعرية، متكلم، (ت ٣٢٤ هـ)، أعلام الزركلي ٤/ ٢٦٣.

(٢) أسعد بن يوسف بن علي مجد الدين الصيرفي البخاري فقيه حنفي (ت ١٠١٨ هـ) أعلام الزركلي ١/ ٣٠٢.

(٣) أي اقواله، تمت مؤلف.

(٤) البخاري ٢/ ٥٦٩ رقم (١٤٩٤).