فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

فصل في الأمر والنهي

صفحة 233 - الجزء 1

  القاسم البلخي، وأبو عبد الله البصري، والجويني: شرعًا فقط.

  احتج أهل القول الأول بالمعقول والمنقول، أما المعقول: فلمبادرة العقلاء إلى ذم عبد لم يمتثل أمر سيده، أو والده، ولا يذمون على ترك شيء إلا وهو واجب، فلولا أنه للوجوب لما فهموا مِنْهُ ذلك، لا يقال: إن الذم على عدم الطاعة لدليل الشرع، لا اللغة، لأنا نقول: إنه وإن كان كذلك، إلا أن أهل اللغة كانوا يؤثرون استخدام السودان، وتملكهم، ويذمون العبد عند المخالفة، وكذلك الولد وهذا أمر لغوي، وإن طابقه العقل والشرع. واعترض بأن ذم أهل اللغة لا يقتضي الوجوب، إذ لا حكمة فيهم، ولا عصمة، وقد يذم أحد مِنْهُم غيرهُ على ترك القبيح، كما يفعلونه عند كف أحدهم عن مصاولة الأقران وغير ذلك.

  وَأُجِيْبَ: بِأَنَّا لم نقل بإصابتهم في اعتقادهم وجوب ذلك، وإنما قالوا: بوجوبه فهو واجب في نفس الأمر، وإنما استدللنا بأنهم وضعوا صيغة الأمر للوجوب، واعتادوا ذلك فإذا خاطبنا الله بلغتهم كان قد وضع صيغة الأمر للوجوب، وهو تعالى عدل حكيم لا يوجب إلا ماله وجه يخصه، ولا يخفى على من له أدنى معرفة ضعف هذا الجواب، والله أعلم.

  احتج القائلون: بأنه للوجوب شرعًا فقط بقوله تعالى مخاطبًا لإبليس: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ}⁣[الأعراف: ١٢]، والمراد من الأمر، قوله تعالى: {اسْجُدُوا}، وبقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ ٤٨}⁣[المرسلات: ٤٨]، وبقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}⁣[النور: ٦٣]، وبقوله ÷: «لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» فلولا أن الأمر للوجوب لم يكن في الخبر مزيد فائدة: إذ السواك قد كان مندوبًا إليه قبل ذلك، وغير ذلك مما يدل صريحًا على المطلوب.

  قلت: ولا يخفى على ذي معرفة قوة هذه الحجة، والله أعلم. وإذا عرفت أن صيغته حقيقية في الوجوب فاعلم أنها قد ترد لمعان كثيرة، أشار إليها بقوله:

  ٤٥١ - وَقَدْ أَتَتْ صِيْغتُه لِلنَّدْبِ ... وَنحوهِ كما أتى في الكُتْب

  ٤٥٢ - كمثلِ تهديدٍ مَعَ الإِنذَارِ ... ثُمَّ إهانةٍ مَعَ احْتِقَارِ

  ٤٥٣ - ثُمَّ تَمَنٍّ وَدُعَاءٍ وَخَبَرْ ... وَمِثْلُ تكوينٍ وإِرْشَادٍ ظَهرْ

  ٤٥٤ - ثُمَّ امتنانٍ بَعْدَهُ إكرامُ ... كَمَا رَوَاهُ العُلَمَا الأَعْلَامُ

  ٤٥٥ - ومثلُهُ التعجيزُ والتَّسْخِيرُ ... وهكذا التَّلْهِيفُ والتَّذكيرُ