حد النظر عند الأصوليين وأهل المنطق
  ٦٤ - فَإِنْ تَعَادَلَا فَشَكٌّ يَا فَتَى ... وَالإِعتقادُ كلُّ جَزْمٍ ثَبَتَا
  ٦٥ - لَكِنَّهُ دُونَ سُكُونِ النفسِ ... فاعْمَلْ بما قُلتُ بغيرِ لَبْس
  اعلم أن الظن: تجويز أمر راجح مع احتمال نقيضه، والمظنونات: هي القضايا التي تحكم حكمًا راجحًا مع احتمال النقيض، كقولنا: فلان يطوف بالليل فهو سارق، والقياس المركب منها ومن المقبولات يُسمَّي خِطَابةً. بفتح الخاء وقد يستعمل على اليقين، والشك، وأكثر الأحكام الشرعية ظنية كما ستقف عليه في أثناء الكتاب، والوَهْمُ: تجويز مرجوح، ولا يعمل به إلا نادرًا، كمن يتوهم وجود الماء في حالة الصلاة بعد الطلب إلى آخر الوقت، فعند الشافعية يخرج من الصلاة لعروض الوهم.
  واعلم أن الوَهْمَ: قوة جسمانية محلها آخر التجويف الأوسط من الدماغ؛ من شأنها إدراك المعاني الجزئية المتعلقة بالمحسوسات، كشجاعة زيد وسخاوته، وهذه القوة هي التي تحكم في الشاة بأن الذئب مهروب منه، وأن الولد معطوف عليه، والمراد بالمعاني الجزئية: الأشياء التي تدركها النفس من المحسوس من غير أن يدركه الحس الظاهر أوَّلاً، مثل: إدراك الشاة المعنى المضاد في الذئب، والمعنى بخوفها إياه وهربها عنه، من دون أن يكون الحس يدرك ذلك ألبتة، وأما الصورة: فهو الذي يدركه الحس الظاهر أوَّلًا، ثم تدركه النفس الباطنية ثانيًا، والوَهْمُ إنما يستقل بإدراك المعاني لا الصور، فإن المدرك لها القوة الخيالية، وليس هذا موضع الكلام في تحقيقها، قوله: فإن تعادلا: أي أن الشك يعادل التجويزين أي يساويهما في ذهن المخاطب كمن يشك هل صلى الظهر ثلاثًا أم أربعًا، فإن ترجح عنده النقصان فَظَنٌّ كأن يخبره عدل يفيد الظن، أو توهم المرجوح كالزيادة مثلًا فهو الوهم، أو لم يترجح عنده أحدهما فشك، وهو معنى التعادل المذكور، وقوله: والاعتقادُ: يعتبر فيه الجزم لكنه دون سكون النفس يعني أن النفس تبقى معه مضطربة غير ساكنة بحيث إذا ألقي عليها تشكيكٌ لم يثبت ذلك الاعتقاد، وهو إن طابق الواقع فهو صحيح، كالاعتقاد أن العالم حادث، وإن لم يطابق ففاسد كاعتقاد الفلاسفة أن العالم قديم، والاعتقاد الفاسد هو المسمى بالجهل المركب، لكونه يجهل الشيء نفسه ويجهل أنه جاهل به كما قيل: