فصل في الأدلة
  ومالك، وبالفرش هيئته كالمدِّ والإمالةِ، والترقيقِ والتفخيمِ والإظهارِ والإخفاءِ والإدغام وغير ذلك، هذا هو قول الجمهور، وقيل: ليست بمتواترةٍ لا أصولًا ولا فرشًا، وقال ابن الحاجب: المتواتر الأصول دون الفرش، وحجة الجمهور بأن العادة قاضية بأن الأمر المهم العظيم تتوافر الدواعي إلى نقله وإشاعته ونقل تفاصيله متواترًا، وكل واحد من (مَلِكِ وَمَالِكِ) من القرآن فيجب تواتره، وتخصيص أحدهما بالتواتر وكونه قرآنًا تحكم باطل، وحجة النافين بأن إسنادها آحاديٌّ إذ لم يوجد في كتب القراءات إلا إسناد واحد عن واحد، والجواب بعدم التسليم إذ لا يلزم الحصر وإلا لزم ألا يحصل العلم بالأمم الماضية والأقطار النائية إلا بحصر كل مرتبة من مراتب الناقلين وتدوين عدد يحيل العقل تواطؤهم على الكذب في كل مرتبة باطل قطعًا، وحجة ابن الحاجب بأن ما كان من قِبَل الهيئة يبعد أن يصدق عليه بعض القرآن فلا يلزم تواترهُ، والجواب عنه أن الحكم بتواتر الأصل دون الهيئة باطل لأنه لا يقوم اللفظ إلا بهيئته فإن تواتر اللفظ تواترت هيئته ضرورة، قوله:
  ٧٠ - وَمَا عَدَا السَّبْعَ القراءتِ الَّتِيْ ... تَوَاَتَرتْ عِنْدَ جَمِيْعِ الأُمَّةِ(١)
  ٧١ - فإنَّهُ شاذٌ وَلَكِنْ يُعْمَلُ ... بِهِ كَمَا دَلِيْلُهُ يُفَصَّلُ
  القراءت السبع: هي قراءة: نافع، وأبي عمرو(٢)، ابن العلا، والكسائي، وحمزة، وابن عامر(٣)، وابن كثير(٤)، وعاصم، وهذه متواترة من النبي ÷ إليهم، ومنهم إلينا، ومعتمد أئمتنا $ والإمام الشافعي قراءةُ نافعٍ وقوله: فإنَّهُ شَاذٌّ ... إلخ، والشَّاذُّ: ما رواه الثقة، غير متابع عليه، ومن أحكامه: أنها تحرمُ القراءةُ بِهِ في الصلاة، وأنه كالأخبار الآحاد في وجوب العمل به في الفروع، وتحريمه في الأصول، قوله:
(١) وهي المروية عن السبعة وهم:
نَافعٌ وأبو عَمْرِو بنِ العَلا ... والكِسَائِيْ وَحَمْزَةٌ وَابْنُ عَامِرْ
وَكَذَا ابنُ كثِيْرٍ يَتْبَعُهُ عَا ... صِمٌ لَا غَيْرُهُمْ رَوَاهُ الأَكَابِرْ
مُتَوَاتِرٌ مِنَ النَّبِيِّ إِلَيْهِمْ ... وَإِلَيْنَا مِنْهُمْ بِلَا حُجْبِ سَاتِرْ
انتهى. حاشية بقلم المصنف ص ٣٠ (خ).
(٢) أبو عمرو: فقيه عالم نحو: ي، بصري، سكن بغداد، أعلام الزركلي ٣/ ١٨٩.
(٣) ابن عامر: عبد الله بن عامر الشامي، أحد القراء السبعة (ت ١١٨)، أعلام الزركلي ٤/ ٩٥.
(٤) ابن كثير: إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، محدث، مؤرخ، توفي عام (٧٧٤ هـ)، أعلام الزركلي ١/ ٣٢.