فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

لا يوجد في القرآن ما ليس له معنى

صفحة 81 - الجزء 1

  ٧٨ - وَقَدْ أَتَى الخِلَافُ في المُعَرَّبِ ... عِنْدَهُمُ فانْظُرْ وحَقِّقْ تُصِب

  المعَرَّبُ: بتشديد - الراء - ما وضعه غير العرب لمعنى؛ ثم استعملهُ العرب فيه بناءً على ذلك الوضع، فيخرج عنه الأعلام، كإبراهيم وإسماعيل، فعن ابن عباس وعكرمة⁣(⁣١) واختاره ابن الحاجب وبعض أصحاب الشافعي: وقوعه فيه لنص علماء العربية على تَعْرِيْب، نحو: استبرق، أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك⁣(⁣٢): أنه الديباج الغليظ بلغة العجم، وأخرج ابن مردويه⁣(⁣٣) من طريق أبي الجوزاء⁣(⁣٤) عن ابن عباس أن السِّجِلَ بلغة الحبشة: الرجل، وذهب المبرد، وثعلب إلى: أن الرحمن: عبراني، وأصلهُ بالخاء المعجمة، وعن مجاهد المشكاة: الكوة، غير النافذة بلغة الحبشة، والقسطاس: العدلُ بالرومية، وعن سعيد بن جبير أنه: الميزان بلغة الرُّوم، وذكر الجواليقي أن كَافُورًا فارسي، وعن ابن عباس هَيْتَ لكَ: هلم لك بالنَّبَطِيَّةِ. وقال الحسن هي بالسريانية: كذلك، وقال أبو زيد الأنصاري⁣(⁣٥) هي بالعبرانية؛ وأصلها هيتلج أي تعاله، وعن وهب بن منبه قال: ما من لغة إلا ولها في القرآن شيء، قيل: فيه من الرومية؟ قال فَصِرْهُنَّ: يقول: قَطِّعْهُنَّ؛ وعن أبي ميسرة قال: في القرآن كل لسان؛ ومثله عن سعيد بن جبير، وقال الأكثر: إنه غير واقع فيه، ولا يسلِّمون أن ذلك من المُعرَّبِ، لجواز كونه مما اتفق فيه اللغتان، ويلزم أَلَّا يكون القرآن عربيًّا، وقد قال تعالى: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ}⁣[الزمر: ٢٨]. وقد جمع أبو عبيدة القاسم بن سلام بين القولين، فقال: الصواب عندي مذهبٌ: فِيْهِ تصديقُ القولينِ جميعًا، وذلك أن هذه الأحرف أصولها أعجمية كما قال الفقهاء، لكنها وقعت للعرب فعربتها بألسنتها؛ وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها فصارت عربية، ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب، فمن قال: إنها عربية فهو صادق، ومن قال: إنها عجمية فهو صادق وكلامه حسن⁣(⁣٦).


(١) عكرمة: هو مولى ابن عباس أصله من البربر، كان يتنقل من بلد إلى بلد وهو من فقهاء التابعين، مات سنة ١٠٧ هـ، وقيل ١١٥ هـ طبقات الفقهاء ١/ ٥٨.

(٢) هو الضحاك بن قيس الشيباني (ت ١٢٩ هـ) حروري من الشجعان الدهاة، أعلام الزركلي ٣/ ٢١٥.

(٣) ابن مردويه: أحمد بن موسى الأصبهاني، محدث، مؤرخ، مفسر، (ت ٤١٠ هـ) أعلام الزركلي ١/ ٢٦١.

(٤) أبو الجوزاء: أوس بن خالد من ربيعة، الإكليل ٢/ ١٦٦.

(٥) أبو زيد الأنصاري: سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري، أديب، لغوي، بصري، (ت نحو: ٢١٥ هـ)، أعلام الزركلي ٣/ ٣/٩٢.

(٦) تفسير الألوسي ٨/ ٤٢٣ وروح المعاني ١٢/ ١٧٤ والإتقان في علوم القرآن ١/ ٣٩٦، والبرهان في علوم القرآن للزركلي أبي عبد الله ١/ ٢٩٠ وتاج العروس لمحمد بن محمد الحسيني الزبيدي الملقب بمرتضى الزبيدي ١/ ١٣.