(باب الهجرة)
  ابن عباس ® قال: قال رسول الله ÷: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهادٌ ونيةٌ»(١). أخرجه بزيادته البخاري ومسلم، ومن كان بين العدو فيبعُدُ منه الجهاد.
  قال (جمهور أئمتنا $: وتجب) الهجرة (من دار الفسق)، وهي: ما تظاهر أهلها بالعصيان الذي لا يُوجب الكفر، أو ظهر من غير جُوار كما تَقَدَّم، وسواءٌ كان العصيان بالبغي أم بغيره، (خلاف الإمام يحيى # والفقهاء الأربعة) ومن تبعهم فإنهم لا يثبتون دار الفسق ولا الهجرة عنها.
  (لنا قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ} ... إلى قوله تعالى: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا) فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}[النساء ٩٧]، (ولم يفصل) تعالى بين دار الكفر ودار الفسق؛ لأن العلَّة العصيان.
  وفي قوله تعالى: {فِيمَ كُنتُمْ} من التوبيخ لهم بأنهم لم يكونوا في شيء من الدين حيث قدروا على المهاجرة ولم يُهاجروا، فقالوا: كنا مستضعفين اعتذاراً مما وبخوا به واعتلالاً بالاستضعاف [ما لا يخفى(٢)] فَبَكَّتَتْهُمُ الملائكة بقولهم: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}[النساء ٩٧] أبلغ تأكيد على وجوب الهجرة.
  (و) لنا أيضاً: (قوله ÷: «لا يحل لعينٍ ترى الله يُعصى فَتَطْرِفَ حتى تُغَيِّرَ أو تنتقل») ولم يفصل ÷ بين عصيان الكفر وعصيان غيره.
  (وبيان الاستدلال به) أي: بهذا الخبر (أن التحريم) أي: تحريم غموض العين التي رأت العصيان قبل تغييره أو الانتقال إنما هو (لأجل العلم) بوقوعه
(١) رواه بالزيادة: «ولكن جهاد ونية» ونحوها البخاري في صحيحه عن ابن عباس، ومسلم في صحيحه عن عائشة، ورواه الترمذي في سننه عن ابن عباس، وأحمد بن حنبل في مسنده عنه وعن أبي سعيد، ورواه الدارمي في سننه عن ابن عباس، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه عنه وعن أبي سعيد وعن أم يحيى بنت يعلى عن أبيها، ورواه الطبراني في الكبير عن ابن عباس وعن غزية بن الحارث، ورواه ابن حبان في صحيحه عن ابن عباس وغيرهم.
(٢) مثبت من (أ).