(تنبيه)
  الواحد كالشرب من شرابِ دَنٍّ دون آخر فلا تصح.
  وقال أبو القاسم البلخي: بل تصح التوبة من ذنب دون آخر مطلقاً، سواءٌ اتَّحد الجنس أو تغاير، فتصح عنده التوبة من شرب قدح من الخمر دون قدح، هكذا حكاه الإمام المهدي # في الدامغ.
  لنا: أن التوبة وجبت لإسقاط العقاب، وهو إنما يُسْتَحَقُّ للقبح، فيتوب عن الفعل من الوجه الذي يستحق عليه العقاب وهو القبح، فإصراره على قبيح آخر ينقض ذلك ويكشف أنه لم يتب لأجل القبح.
  وأيضاً التوبة كالاعتذار من الإساءة في الشاهد فإنه لا يصح من إساءةٍ دون إساءةٍ؛ لأن المُعتذر إنما يعتذر من الإساءة لأجل كونها إساءة، وإذا كان كذلك كان مع الإساءة الأخرى في حكم من لم يعتذر عنها.
  و (لأن الآيات) الواردة في التوبة (لا تدل إلَّا على العموم فقط) ولم يَرِدْ شيء منها في التوبة من بعض الذنوب دون بعض، (نحو قوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى}) [طه ٨٢] فظاهرها عموم التوبة من كل ذنب. وقوله تعالى: {وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} إشعار آخر بأنه لا يغفر لمن يخلط التوبة بمعصية، وقوله تعالى: {ثُمَّ اهْتَدَى} أي: ثم استمر على توبته ولم ينكثها، ونحوها من الآيات كثير.
  (و) أيضاً (لا دليل) لمخالفينا (على قبول توبة من خَصَّ بها بعض ذنوبه إلَّا قياسٌ معارَضٌ بمثله).
  أما قياسهم فقالوا: لو لم تصح التوبة من ذنب دون آخر لزم في يهودي أسلم إسلاماً مُحَقَّقاً وهو [عازم(١)] على غصب عشرة دراهم أن لا يصح إسلامه، فيبقى على حكم اليهودية، وذلك مخالف لإجماع الأمة.
  قال الإمام المهدي #: قد أجاب قاضي القضاة بأنهم إنما أجمعوا على صحة
(١) في (أ، ب): مصر.