(فصل:) [والثواب والعقاب مستحقان عقلا وسمعا]
  (وهذه الآيات) التي ذكروها في غفران الذنوب (ونحوها مجملة) أي: مطلقة (فيجب حملها على) المقيد كما هو الواجب في مثل ذلك عند علماء الأُصول، فتُحمل على (نحو قوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه ٨٢] وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}) [التحريم ٨] بعد التوبة والعمل الصالح.
  (وقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء ١١٠]، ونحوها من صرائح الآيات) التي لا إجمال فيها الدالة على أن الله تعالى يغفر الذنوب بالتوبة والاستقامة على الهدى، ويكفينا في ذلك كله الآيات الخاصة بأهل الكبائر من أهل الصلاة فإنها نَصٌّ صريح في إبطال قولهم، لا تحتمل التأويل إلاّ بالنسخ والنسخ لا يجوز في مثل ذلك بالاتفاق.
  قالوا: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} المراد بغير توبة؛ لأن التوبة تمحو الشرك، فيكون المراد بقوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء ١١٦] مثله، أي: بغير توبة.
  قلنا: قوله تعالى: {لِمَنْ يَشَاءُ} دليلٌ على بطلان هذا المفهوم؛ لأنه قد أخبرنا [بأن(١)] القاتل عمداً ونحوه مخلد في النار إلَّا أن يتوب، فعلمنا أنه لا يشاء الغفران له مع عدم التوبة.
  ثم ولو سَلَّمْنَا أن المراد بقوله: «ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء» بغير توبة فالمراد به صغائر المؤمنين، وكلٌّ على أصله فيها.
  (قالوا: القرآن مملوء من نحو قوله تعالى: {وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}).
  (قلنا:) هي (مجملات) كما سبق ذكره في نظائرها (فيجب حملها على نحو قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} الآية) [التوبة ٧١] {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} فَقَيَّدَ الرحمة بما
(١) في الأصل و (ب): أن. وفي (أ): بأن.