فصل في القياس ماهيته وأقسامه وأركانه
  الاحتجاج بالآية دور لأنه إثبات لحجية الإجماع بما لا تثبت حجيته إلا به، وأما الآية الثانية: فعدم لزوم ما ذكر ظاهر وإن سلم فهي مختصة بالآخرة كما ذكره أكثر المفسرين، وقد احتجوا من السنة بقوله ÷: «لا تجتمع أمتي على ضلالة، ويد الله مع الجماعة، من شذ شذ في النار فعليك بالجماعة»(١)، أخرجه الترمذي [برقم ٢٠٩٣] والطبراني في الكبير [برقم ٢١٧١] بلفظ «لن تجتمع أمتي على ضلالة أبدًا فإن يد الله مع الجماعة»(٢)، ومثل: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم وفارقهم حتى يأتي أمر الله» رواه الرُّوياني [رقم ١١٩] وابن عساكر [رقم ١٠١٦] عن عمران بن حصين وغير ذلك من الأحاديث المتواترة معنى.
  وَأُجِيْبَ: بأن المدعى وقوع الإجماع الحق وحجيته، والحديث الأول ونحوه نفي للاجتماع على الضلالة، ولا يلزم مِنْهُ الاجتماع على الحق أعني وقوع الإجماع الذي هو مبدأ الحجية، وأيضًا الضلالة هي الكفر ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم الذي هو الخطأ في الشرعيات، فإنه ليس بضلالة قطعًا لوجوب إتباعه على كل مجتهد، والنزاع في الإجماع عليها، وأما الأحاديث الآخرة فالمراد بها التحذير من التفرق والمراد بها إما جماعة أو اجتماع القلوب أو جماعة الصلاة أو القراءة، وحرف التعريف مشترك بين العهد الخارجي والجنس فلا دلالة على خصوص أحدهما إلا بقرينة وإن سُلِّمَ فهي كحديث (لا تزال طائفة ... إلخ)، وَهِيَ طائفة مبهمة من الأمة وقد أُجيْبَ بأجوبة كثيرة أعرضنا عن ذكرها حتى قال أحمد بن حنبل: من ادعى وقوع الإجماع فهو كاذب(٣)، وإنما قال ذلك لتفرق المجتهدين في الأقطار ولعدم الإحاطة بأقوالهم بل معرفة أشخاصهم فضلًا عن أقوالهم، ولجواز رجوعهم عن القول الأول إلى غير ذلك، وقد أجيب عن هذه الإيرادات بأجوبة لا تخلو عن تكلف وتعسف، (والحق أحق أن يتبع) وسيأتي لهذا زيادة تحقيق عند ذكر الأدلة على حجية القياس إن شاء الله.
فَصْلٌ فِيْ القِيَاسِ مَاهِيَّتُهُ وَأَقْسَامُهُ وَأَرْكَانُهُ
  ٢١٥ - وَرَابِعُ الأَدِلَّةِ القِيَاسُ ... نَازَعَ فِيْ حُجَّتِهِ الأَكْيَاسُ
(١) بألفاظ غير هذه الألفاظ «سألت الله ألا يجمع أمتي على ضلالة ... الخ».
(٢) بألفاظ غير هذه الألفاظ: ومن شذ شذ في المستدرك ١/ ١٩٩ برقم (٣٩١) وهو في الترمذي ٤/ ٤٦٦ رقم (٢١٦٧).
(٣) في مسائله لابنه عبد الله ص ٣٩٠ كما في آداب الزفاف ص ١٤٥ «وما يدريه لعل الناس اختلفوا» وذكره ابن حزم في الأحكام كما في نظام الطلاق ص ١٠٠.