الدليل الثالث الإجماع
  المعلوم قصدهم، وكذا المتلقى بالقبول في الأصح والظني بخلافه، كالمنقول بالآحاد.
  إذا عرفت هذا فعند بعض المتكلمين والفقهاء، أن مخالفته كفر وعند أئمتنا والجمهور أنه فسق فقط، وقال الآمدي والرازي: ليس بكفر ولا فسق لعدم الدليل، بناءً مِنْهُما على أنه ظني، فأما مخالفة مقتضى الإجماع فمعصية، لا نقطع بكبرها، مثلًا: أنه انعقد الإجماع على تحريم سرقة ما دون النصاب، ولو سرقه أحد لم تقطع يده، احتج من قال بالتكفير والتفسيق بقوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ١١٥}[النساء: ١١٥]، وأول من احتج بها الإمام الشافعي ¥ وابن أبان(١)، وجه الدلالة: الجمع بين المشاقة واتباع غير سبيل المؤمنين في الوعيد حيث قال: {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ١١٥}[النساء: ١١٥] فيلزم أن يكون غير سبيل المؤمنين محرمًا كتحريم المشاقة المعلوم قطعًا وإلاَّ لم يحسن الجمع بينهما بالعطف المقتضي للتشريك، ويدل بالالتزام على وجوب اتِّباع سبيلهم إذ لا واسطة، ويلزم من الوجوب كون الإجماع حجة ويلزم من كونه حجة فسق مخالفهِ، واحتجوا أيضًا، بقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}[البقرة: ١٤٣]. الآية، وتقريره أن الله عَدَّلَ هذه الأمة لأنه تعالى جعلهم وسطًا، قال الجوهري [٧٢٠]: الوَسَطُ من كل شيء أَعْدَلُهُ، ولأنه علل ذلك بكونهم «شهداء» والشاهد لابد أن يكون عدلًا فتعين تعديلهم فيما يجمعون عليه وحينئذ تجب عصمتهم عن الخطأ قولًا وفعلًا واعتقادًا والكلام على الآيتين من وجوه: الأول: أن لفظ «غير» مفرد لا يدل على العموم، فلا يلزم حرمة كل ما يغاير بسبيل المؤمنين، الثاني: أن لفظ «سبيل» مضاف، والمضاف لا يكون إلا معهودًا كما صرح بذلك صاحب الكشاف، ونجم الأئمة(٢)، فلا يقال: «غلام زيد» إلا لمعهود ولا معهود إلا القرآن، فيكون المراد بسبيل المؤمنين القرآن، لقوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي}[يوسف: ١٠٨]، الثالث: أن الآية نزلت في طُعْمَة بن أبيرق حين سرق وارتد ولحق بالمشركين فيكون سبب الآية خاصًّا، الرابع: أن
(١) ابن أبَان: عيسى بن أبان بن صدقة أبو موسى، حنفي، تتلمذ على محمد بن الحسن الشيباني توفي ٢٢١ هـ طبقات الحنفية ١/ ٤٠١.
(٢) نجم الأئمة: الرضي الاستراباذي الإمام النحوي المشهور صاحب شرح الكافية.