المناسبة وصورها
  عن النظر والاجتهاد في معرفة وجود العلة في آحاد الصور بعد معرفتها في نفسها، والثالث ما إذا تعددت أوصاف الحكم واحتمل أن تكون العلة مجموعها أو بعضها فحذف بعض، واعتبار آخر يسمى تنقيح المناط، كما في خبر الأعرابي المجامع وقد تقدم، تحقيقه فراجعه، وأشار الناظم إلى بيانها بقوله: وأنها تعيينُ ... إلخ: يعني أن المناسبة المذكورة هي تعيين العلة في أصلها المقيس عليه الذي ثبت بالنص أو الإجماع حكمه دون علته بمجرد إبداء المناسبة، وإليه أشار الناظم بقوله: ولا سوى مجرد: فهو على حذف مضاف أي إبداء المناسبة بينها وبين الحكم وذاتية: نصبٌ على حال أي حال كون تلك المناسبة ذاتية منسوبة إلى ذات الوصف لا بنص ولا بغيره، بل مجرد مناسبتها للحكم فقط وذلك كالنظر والاجتهاد في كون الإسكار علة في تحريم الخمر، فإن من نظر في حكم الخمر وهو التحريم ووصفه وهو الإسكار يعلم مِنْهُ كون ذلك الوصف بالنظر إلى ذاته مناسبًا لشرع التحريم لأجل حفظ العقل فيقاس عليها ما ساواها في ذلك وكالنظر والاجتهاد في كون الجناية العَمْدِ العدوان علة في وجوب القصاص فإن من نظر في الجناية ووصفها وهو كونه عمدًا عدوانًا يجد ذلك مناسبًا بالنظر إلى ذاته لشرع القصاص لأجل كونه حفظًا للنفوس كما نبه عليه تعالى: بقوله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}[البقرة: ١٧٩]، قوله:
  ٢٨٥ - لَكِنَّهَا تَنخَرِمُ المُنَاسَبَهْ ... إِنْ لَزِمَتْ مفسدةً مُغَالِبَهْ
  ٢٨٦ - راجحةً تكونُ أو مُسَاوِيَهْ ... فهذهِ الجملةُ فيها كافيهْ
  أشار الناظم إلى أنها قد تنخرم المناسبة بين العلة والحكم بسبب لزوم مفسدة سواءً كانت المفسدة راجحة على المصلحة أو مساوية لها، وذلك لقضاء العقل عند لزوم المفسدة بانتفاء المصلحة بالضرورة، ومثاله ما يقال: فيمن غَصَّ بلقمة مثلًا وخشي التلف ولم يجد ما يسوغها به إلا الخمر فإنَّ في تحريم الخمر مناسبة لحفظ العقل ولكن تَنخرمُ تلك المناسبة إذ يلزم من المناسبة حصول مفسدة وَهِيَ هلاكه لو لم يشربه، وهذه مفسدة أرجح من المصلحة إذ حفظ النفس أولى من حفظ العقل، قوله:
  ٢٨٧ - واختلفَ الأقوامُ في المناسِبِ ... فاحرصْ على القولِ السديدِ الصَّائِب
  ٢٨٨ - فقيلَ وصفٌ ظاهرٌ منضبطُ ... يقضي به العقلُ الذي يسَتنبِطُ
  ٢٩١ - فإنَّ ذاك باعثٌ للحكمِ ... لا غيرُهُ فحُطْ بهِ عن عِلْم