فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

الغريب

صفحة 176 - الجزء 1

  ٣١٨ - كَقتْلِ زنديقٍ ولو قد أَظْهَرَا ... توبتَهُ فاحرصْ على ما قُرِّرَا

  أشار إلى بيان القسم الثالث: وهو الملائم من المرسل، وهو المسمى بالمصالح المرسلة، وهو ما لم يشهد له أصل معين بالاعتبار، بأن لا يثبت في الشرع اعتبار عينه أو جنسه في عين الحكم أو جنسه، لكنه مطابق لبعض مقاصد الشرع الجملية، وله أمثلة كثيرة مِنْهُا: قتل المسلمين المترَّس بهم عند الضرورة الكلية، وَهِيَ خشية استئصال الكفار المسلمين إن لم يُرمَ الأسارى الذين يُترَّسُ بهم، فيجوز حينئذٍ قتلهم، وإن أفضى إلى قتل الترس؛ لما فيه من دفع المفسدة الكبيرة بفعل المفسدة اليسيرة كقطع اليد المتآكلة، والفصد والحجامة، قال الأسنوي: أما للضرورة الجزئية، وهو خشية استئصال قلعة يترس أهلها بمسلمين فلا يبيح ذلك قتل المسلمين؛ لأن حفظ ديننا غير متوقف على الاستيلاء على تلك القلعة. ومثله توهم غرق أهل سفينة في البحر لا يبيح رمي بعض أهلها. ومثله وقوع جماعة في مخمصة، فلا يبيح أكل أحدهم بالقرعة لكون المصلحة جزئية، وكقتل الزِّنديق بكسر الزاي، هو الزندي، والزِّنْدُ: اسم كتاب مزدك الذي ظهر في زمان فتاد وأباح الفروج، وقتله أنو شروان وهو من الثنوية أو القائل بالنور والظلمة (كَمَانِيْ) فإنه يقول: (الخير من النور والشر من الظلمة)، ولهذا قال أبو الطيب:

  وَكَمْ لِظَلَامِ اللَّيلِ عِنْدَكَ مِنْ يَدٍ ... تُخَبِّرُ أَنَّ المَانَوِيَّةَ تَكْذِبُ⁣(⁣١)

  أو من لا يؤمن بالآخرة، أو من يقول بقدم العالم إلى غير ذلك من الأمور الكفرية، فإنه يجوز قتله، وإن أظهر التوبة، ومن العلماء من لا يجيز ذلك، ويقبل توبة الزنديق، ويحيل ما في قلبه على من يعلم سريرته لقوله ÷ لخالد بن الوليد لما قتل مالك بن نُويرة: «أشققت على سويداء قلبه»، وقوله ÷: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، وإنِّي رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله». وهو قول أكثر العلماء والأولى، ومِنْهُا: قولنا: «يَحْرُمُ على العاجز عن الوطء من تَعْصِيْ لتركه»⁣(⁣٢)، إذ في ذلك تعريض لها إلى فعل القبيح والشرع ملتفت إلى المنع من تعريض الغير لفعل القبيح، ألا تراه يمنع الخلوة بغير المحرم، للاحتراز عن المعصية، فلا أصل له مُعين يشهد له بالاعتبار، بل مرجعه إلى مصلحة جملية اعتبرها الشرع، وَهِيَ منعه من تعريض الغير لفعل


(١) ديوان المتنبي قافية الباء - ص ج ١ شرح البرقوقي.

(٢) متن الأزهار كتاب النكاح ١/ ٥٩.