فصل في القياس ماهيته وأقسامه وأركانه
  القبيح. ومِنْهُا: تقديم المصلحة العامة كالجهاد على الخاصة، كالقود كمثل من يجب عليه القصاص، فيعرض للإمام الجهاد، وهو من أهل الجهاد، فيؤخر القصاص للمصلحة العامة وهذه في محل الضروريات، ومِنْهُا: تناول سد الرمق. عند تطبيق الحرام للأرض أو للناحية بتعذر الانتقال مِنْهُا، ومِنْهُا: فسخ امرأة المفقود، وفسخ نكاح من عقد لها وليان عقد أحدهما سابق لم يعلم، ومِنْهُا: اعتداد من انقطع حيضها لعارض معلوم بالأشهر لما في التربص من الضرر بها، ومِنْهُا: أخذ نصف مال المسلم لدفع من يأخذ كله، وهذه في محل الحاجيّات.
  واعلم أن هذا النوع هو المعروف بالمصالح المرسلة، وقد تقدم وجه التسمية بذلك، وهو ضرب من الاجتهاد الذي لا أصل له معين، وتسمى أيضًا بالقياس المرسل، ولا وجه له عندي؛ إذ القياس ما كان له أصل صحيح يرجع إليه، ومثل هذه التي لا أصل لها من كتاب ولا سنة، ولا إجماع، كيف تُسمى قياسًا؟ فاعلم ذلك.
  واعلم أنه وقع الخلاف في قبولها، وعدمه، فقبلها المالكية مطلقًا، فأفرطوا ووقعوا في مخالفة النصوص كقتل الثلث لإصلاح الثلثين وردها أبو بكر الباقلاني وطائفة مطلقًا، ففرطوا ولزمهم خلو كثير من الوقائع عن الأحكام، وعند أئمتنا والمتكلمين وجمهور الفقهاء: قبوله، لكن بشروط: إذا كانت المصلحة غير مصادمة لنصوص الشرع، ملائمة لقواعد أصوله، خالصة عن معارض، فالتي تصادم النص كإفتاء مَنْ يَسْهُلُ عليه العتقُ: بالصوم، والتي تخالف القواعد كقطع لسان المؤذي وشفته، والتي لا تخلص عن معارض: كضرب المتهم بالسرقة، واشترط الإمام الغزالي في قبوله كون المصلحة ضرورية كلية قطعية، ومعنى الضرورية، أن تكون من الضروريات الخمس التي يجمعها قول الشاعر:
  دِيْنٌ وَنَفْسٌ وَعَقْلٌ بَعْدَهَا نَسَبُ ... والمالُ خَامِسُهَا تِلكَ الضروراتُ
  ومعنى كونها كلية: أنها موجبة لفائدة عامة لجميع المسلمين كمثال الترس، ومعنى كونها قطعية: أن تحرم بحصول المصلحة فيها.
  تنبيه: ينقسم المناسب باعتبار نفسه إلى حقيقي عقلي، وخيالي إقناعي، وهو الذي يقنع به القاصر عن إدراك الحقائق؛ لأن المناسبة إن كانت بحيث لا تزول بالتأمل فيه فهو الحقيقي، وإلا فالإقناعي، والحقيقي: إما دنيوي بأن تكون المصلحة متعلقة بالدنيا، أو أخروي متعلق بالآخرة، والمراد بالأخروي: ما تكون المصلحة متعلقة بالأمور الأخروية كتهذيب النفس والرياضة، وهو من العلم، المغلب في التصوف بعلم الطريقة ذكره صاحب