باب الاعتراضات الواردة على القياس
  يمنع الجزء الثاني، أعني عدم الحكم فيها، بأن يقول: لا أسلم عدم الحكم في صورة النقض، وذلك يكون بإبداء مانع في محل الحكم كنفي الضمان للضمان أو غيره كالحرمة للوجوب، وذلك إما لتحصيل مصلحة كما في العرايا المفسرة ببيع الرطب بخرصهِ تمرًا فيما دون خمسة أوسق، إذا أوردت نقضًا في الربويات لعموم الحاجة إلى الرطب، وقد لا يكون عندهم ثمن آخر غير التمر، فالمصلحة في جوازها أرجح وأولى ونحو ذلك، كضرب الدية على العاقلة(١) إذا أُورد على أن شرع الدية للزجر الذي ينافيه عدم الوجوب على القاتل، فجوابه أن ذلك لمصلحة أولياء المقتول مع عدم قصد القاتل، ومنع كون أوليائه يغنمون بكونه مقتولًا فيغرمون بكونه قاتلًا، وإما تحريم الميتة، إذا علل بقذارتها لدفع مفسدة، إذا أورد عليه المضطر إذ مفسدة هلاك النفس أعظم من مفسدة أكل المستقذر، والرابع عشر الكسر، وسماه ابن الحاجب النقض المكسور، وحاصله وجود الحكمة المقصودة من الوصف في صورة مع عدم الحكم فيها كما لو قيل: إن الترخيص في الإفطار في السفر لحكمة المشقة فيكسر بصنعةٍ شاقة في الحضر، كحمل الثقيل مثلًا وجوابه حينئذٍ بمنع وجود قدر الحكمة لعسر ضبط المشقة، فيكون الكسر كالنقض في أن جوابه بمنع وجود الحكمة أو منع عدم الحكم أو شرعية حكمه أرجح كعدم قطع يد القاتل لثبوت القتل كما إذا قال المعلل: إنما تقطع اليد باليد للزجر، فيقول المعترض: حكمة الزجر قائمة في القتل العمد العدوان مع أنه لا قطع، فجوابه: بأنه قد شرع فيه حكم آخر أشد زجرًا وهو القتل. ثم أشار إلى الاعتراض الخامس عشر بقوله:
الاعْتِرَاضُ الخَامِسْ عَشَرْ
  ٣٤٠ - وبعدَها تعارضٌ في الأَصْلِ ... كالطَّعْم بِالكيلِ فَحَقِّقْ قَوْلِيْ
  أشار إلى النوع الخامس عشر: وهو المعارضة في الأصل بما يصلح من الأوصاف للعلية مستقلًا دون الأول، أو أن يكون جزءاً فيكون مع الأول علة مستقلة، كما إذا علل المستدل حرمة الربا: بالطعم فيعارضه المعترض بالكيل أو القوت، ومثال ما يصلح أن يكون جزءاً فكأن يعلل القصاص في المحدد بالقتل العمد العدوان، فيعارض بكونه بالجارح فلا يحتمل
(١) عُصْبَةُ الجَانِيْ، والله أعلم.