فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

الاستصحاب

صفحة 196 - الجزء 1

  نوح، وقيل: إبراهيم، وقيل: موسى، وقيل: عيسى، وقيل: بما ثبت من الشرائع، وحجج الجميع مذكورة في المطولات. وفائدة هذه المسألة: علمية لا عملية، إذ لا يتعلق بنا من ذلك تكليف، وأما بعدها، فقد أشار إليها بقوله: وَبَعْدَها صحَّ ... إلخ: وهو مختار الأخوين⁣(⁣١) والمنصور بالله، وبعض الفقهاء: أنه بعدها متعبد بما لم ينسخ من الشرائع، وذهب أكثر أئمتنا والجمهور: إلى أنه ÷ لم يكن متعبدًا بشرع من قبله، احتج المثبتون بقوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}⁣[النحل: ١٢٣]. وملته شريعته. واحتجوا أيضًا بقوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا}⁣[الشورى: ١٣] وبقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ}⁣[المائدة: ٤٤]، ونبينا محمد ÷ مِنْهُم، بل سيدهم. وبقوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}⁣[الأنعام: ٩٠]، وبقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ....} الآية [المائدة: ٤٥]، وَهِيَ مما وقع الاتفاق على الاستدلال بها في شرعنا وغير ذلك، احتج النافون بقوله تعالى: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}⁣[الأنعام: ١٠٦]، وبقوله: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا}⁣[الجاثية: ١٨]، ولأنه كان يجب ألا يتوقف فيما دهمه من الحوادث لمسألة الميراث، والإيلاء والظهار، والتيمم، والقذف، فإنها لما حدثت توقف حتى نزل الوحي عليه ببيانها، فلو كان متعبدًا بشيء من الشرائع لما جاز له أن يتوقف مع تجويز أن يعرف ذلك من الكتب المتقدمة وأهلها، ولوجب الرجوع إليها، وبأن شريعته ناسخة لشريعة غيره بالإجماع، وتأولوا الآيات المتقدمة أن المراد بنحو الآية الأولى الحكم بما أنزل الله عليه وتعبد به غيره، وبالأخرى المراد به الإيحاء لا الموحى وسائر الملة أصول الدين لا الفروع، إذ لا تسمى ملة، والاستدلال بآية القصاص ونحوها؛ لأنها من الموحى إليه، وغير ذلك، وعلى القول بجوازه له، فأمته مثله، ولهذا قال الناظم غفر الله له:

  ٣٦٠ - وَهْوَ عَلَيْنَا وَاجِبٌ مُحتَّمُ ... هَذَا إِذا كَانَ الدليلُ يَعْدَمُ

  يعني أنه يجب علينا الأخذ بذلك الشرع المتقدم عند عدم الدليل من الكتاب والسنة والإجماع في شريعتنا، وهذا على ما اختاره المثبتون، وإلا ففي كتاب الله والسنة النبوية غنية عنه،


(١) وهما أبو طالب والمؤيد بالله عليهما سلام الله.