الاستحسان
  والصحابة؟ بعد موت النبي ÷ لم يرجعوا في شيء من الأحكام إلى الكتب المتقدمة، ولا إلى أهلها، بل رجعوا إلى الاجتهاد، كما ذلك معلوم. ثم أشار إلى ما ألحق بالاستدلال بقوله:
الاستحسان
  ٣٦١ - قِيلَ ومِنْهُ يَا فَتَى استِحْسَانُ ... فاعلمْ كَمَا أَتى بِهِ البَيَانُ
  ٣٦٢ - وهو دليلٌ لقياسٍ قَابَلا ... واشترطوا فيهِ كَما قِيْلَ الجَلَا
  ٣٦٣ - وقد يكونُ ثابتًا بالأَثرِ ... ومثلُه الإجماعُ عندَ الأَكْثَر
  ٣٦٤ - وقد يكونُ الحكمُ بالضَرُورَةِ ... وَبِخَفِيٍّ مِنْ قِيَاسٍ مُثْبَت
  الاستحسان في اللغة: اعتقاد حُسن الشيء، قال في «شمس العلوم»(١): استحسن الشيء إذا عده حسنًا، وفي عرف اللغة: الاستحلاء، واختلف في حده على أقوال:
  الأول: ما ذكره الناظم، وهو الذي ذكره المصنف تبعًا لسعد الدين أنه عبارة عن دليل قابل القياس الجلي، وقال المنصور والكرخي، وأبو عبد الله: إنه العدول بحكم المسألة عن حكم نظائرها لوجه أقوى من الأول، وقال المؤيد وبعض الحنفية: العدول عن موجب قياس إلى قياس أقوى، وقال الإمام يحيى، وأبو الحسين(٢)، والحفيد، وغيرهم: ترك وجه من وجوه الاجتهاد غير شامل بشمول الألفاظ لوجه أقوى من المتروك يكون في حكم الطارئ عليه، وقيل: تخصيص قياس بدليل أقوى مِنْهُ، وقيل: ترك طريقة إلى أقوى مِنْهُا، ولا نزاع في جميع ما ذكر، وقيل: العدول عن حكم الدليل إلى العادة لمصلحة الناس كدخول الحمام. وَرُدَّ بأنها إن كانت في زمن النبي ÷ حقًا وإلا ردت، وقيل: دليل ينقدح في نفس المجتهد بقصر عبارته عنه، وردَّ أنه إن تحقق فمعتبر، وإلا فليس بمعتبر، فإذا تحققت الخلاف في حده علمت أنه غير معقول، ولهذا قال في حواشي الفصول: أربعة لا تعقل كسب الجبرية، واستحسان الحنفية، وإمامة الإمامية، وعول الجاهلية، ولهذا قال الإمام الشافعي: من استحسن فقد شرَّع بتشديد الرَّا، أي وضع شرعًا زائدًا، وقال ابن أبي شريف(٣) في «شرح الجمع»: إنه
(١) لنشوان بن سعيد الحميري (ت ٥٧٣ هـ).
(٢) أبو الحسين: هو محمد بن علي الطيب معتزلي أصولي/ت - سنة ٤٣٦ هـ تاريخ بغداد ٣/ ١٠.
(٣) ابن أبي شريف: إبراهيم بن محمد بن أبي بكر المري المقدسي ثم القاهري (ت ٩٢٣ هـ)، أعلام الزركلي ١/ ٦٦.