فصل في الحقيقة والمجاز
  ٤١٥ - أو عُدِّدَ اللفظُ بدونِ المعنى ... فَهْيَ ترادفٌ كماَ بيّنَا
  ٤١٦ - أو عَكْسُهُ وَوُضِعَتْ لِأَمْرِ ... اشْتَرَكَتْ فِيْهِ بِغَيرِ نُكْر
  ٤١٧ - فَهْوَ مُشَكِّكٌ مَعَ التَّفَاوُتِ ... أو متواطٍ فيه إن تَسَاوَت
  اعلم أن الحقيقة لا تخلو إما أن تتعدد لفظًا ومعنى، وَهِيَ المتباينة كإنسان وفرس وصوم، وصلاة ورفع، ودابة، ومؤمن وكافر، ومعنى تباينها: ألَّا يصدق أحد اللفظين على الآخر لتباين معانيهما، وإما أن تتحد لفظًا ومعنى فهي المنفردة. وإليه أشار الناظم بقوله: أوْلا وكانت ... إلخ: أي أولا تعدد لها، وكانت متحدة لفظًا ومعنى، وذلك كالأعلام مثل: زيد وعمرو، وكذا ما كان فيه الوضع كليًّا، والموضوع جزئيًا، كالمضمرات وأسماء الإشارة والموصولات.
  ثم أشار إلى قسم آخر بقوله: أو عُدِّدَ اللفظُ ... إلخ: أي إن تعددت الحقيقة لفظًا، واتحدت معنى فهو المترادف كقعود وجلوس، وبهتر وبحتر للقصير، وصليب وشوذب للطويل، وأسد وغضنفر للمفترس، وفرض وواجب لنحو الظهر، وذكر وعائد، والترادف في أصل اللغة التتابع، ومِنْهُ الردفان لليل والنهار، وهو واقع عند الأكثر، وفائدته التوسعة في اللغة وتيسير النظم والنثر، إذ قد يصلح أحدهما للقافية والفاصلة دون الآخَرِ، وخالف في وقوعه ثعلب، وابن فارس(١) قالا: وما يظن من المترادف فإنه متباين بالنظر إلى أصل الاشتقاق، وسبب الظن إطلاقهما على ذات واحدة كالحنطة والقمح، فالحنطة اسم الذات والقمح صفة لها، يقال: قامحت الناقة إذا رفعت رأسها، سمي به هذا الحب؛ لأنه أرفع الحبوب، وكالأسد والليث، فإن الأسد اسم الذات والليث صفة له، بمعنى كثرة الفساد، يقال: لاث يلوث، إذا أفسد، وهذه تكلفات بعيدة، ولا يمكن إجراؤها في جميع المواضع.
  ثم أشار إلى عكسه، أي عكس هذا القسم، وهو تعددها معنى واتحادهَا لفظًا، وهذا القسم أيضًا ينقسم قسمين أشار إليه بقوله: ووضعت لأمر ... إلخ: أي أن وضع اللفظ لتلك المعاني باعتبار أمر اشتركت فيه فمشكِّكٌ بكسر الكاف المشددة، والمراد بالأمر المذكور المعنى الكلي كالحيوانية والإنسانية، والوجود، لكنه لا يكون مُشكِّكًا إلا مع حصول التفاوت في أفراده، كما أشار إليه الناظم. وذلك كالموجود للقديم والمحدث، وتفاوته، إما بأولية بأن يكون أحد أفراده
(١) ابن فارس: أحمد بن فارس بن زكريا القزويني (ت ٣٩٥)، أعلام الزركلي ١/ ١٩٣.