فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

فصل في الحقيقة والمجاز

صفحة 227 - الجزء 1

  أشار في هذا إلى أربعة أنواع: الأول: العموم: وهو كون العام مستعملًا في الخاص كقوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}⁣[النساء: ٥٤]، يعني رسول الله ÷ لجمعه ما في الناس من الخصال الحميدة، وقوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}⁣[البقرة: ١٩٩]، يعني إبراهيم # وعكسه كقوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ١٤}⁣[التكوير: ١٤]، أي كل نفس، والثاني: الضدية: أي كون أحد المعنيين ضِدًّا للآخرِ، كقوله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ٢١}⁣[آل عمران: ٢١]، استعيرت البشارة للإنذار أو العكس كقول أبي الطيب:

  تَفْضَحُ الشَّمْسَ كُلَّمَا ذَرَّتِ الشَّمْـ ... ـسُ بِشَمْسٍ مُنِيرَةٍ سَوْدَاءِ⁣(⁣١)

  الرابع: الأَوليَّةِ، أي كون المعنى الحقيقي آيلًا إليه المجازي قطعًا كقوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ٣٠}⁣[الزمر: ٣٠]، أي ستئوول إلى الموت، أو ظنًّا نحو: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا}⁣[يوسف: ٣٦]، أي عصيرًا يؤول إلى الخمر، قوله:

  ٤٣٧ - وَبَعْدَهُ الْكَوْنُ عليهِ وَالبَدَلْ ... وَسَبَبيَّةٍ مَعَ العَكْسِ حَصَلْ

  أَمَّا الكون عليه أي كون الحقيقي كان عليه المجازي كقوله تعالى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ}⁣[النساء: ٢]، أي الذين كانوا يتامى قبل ذلك، إذ لا يُتْم بعدَ بلوغٍ، وأما البدلية أي كون أحد المعنيين بدلًا عن الآخر كقول الشاعر:

  أَكَلْتُ دَمًا إنْ لَمْ أَرُعْكِ بِضَرَّةٍ ... مُكَحَّلَةِ العَيْنَيْنِ طَيِّبَةِ النَّشْرِ⁣(⁣٢)

  أي الدية التي هي بدلٌ عن الدم، وأما سببية المعنى، أي كون المعنى الحقيقي سببًا للمجازي نحو: رعينا الغيث، أي النبات الذي سببه الغيث، وَعَكْسُهُ: أي كون المعنى الحقيقي مُسَبَّبًا عن المجازي نحو: أَمْطَرَتِ السماءُ نباتًا، وقول الشاعر:


(١) من قصيدة طويلة مطلعها:

إِنَّمَا التَّهْنِئَاتُ لِلْأَكْفَاءِ ... وَلِمَنْ يَدَّنِي مِنَ الْبُعَدَاء

قالها في دار بناها كافور بإزاء الجامع الأعلى على البركة و طالب أبا الطيب بذكرها فأنشدها ١/ ١٦٥ شرح ديوان أبي الطيب لعبد الرحمن البرقوقي.

(٢) اللباب في علم الكتاب ٧/ ٢٨٦.