فصل في الحقيقة والمجاز
  أشار في هذا إلى أربعة أنواع: الأول: العموم: وهو كون العام مستعملًا في الخاص كقوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}[النساء: ٥٤]، يعني رسول الله ÷ لجمعه ما في الناس من الخصال الحميدة، وقوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}[البقرة: ١٩٩]، يعني إبراهيم # وعكسه كقوله تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ١٤}[التكوير: ١٤]، أي كل نفس، والثاني: الضدية: أي كون أحد المعنيين ضِدًّا للآخرِ، كقوله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ٢١}[آل عمران: ٢١]، استعيرت البشارة للإنذار أو العكس كقول أبي الطيب:
  تَفْضَحُ الشَّمْسَ كُلَّمَا ذَرَّتِ الشَّمْـ ... ـسُ بِشَمْسٍ مُنِيرَةٍ سَوْدَاءِ(١)
  الرابع: الأَوليَّةِ، أي كون المعنى الحقيقي آيلًا إليه المجازي قطعًا كقوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ٣٠}[الزمر: ٣٠]، أي ستئوول إلى الموت، أو ظنًّا نحو: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا}[يوسف: ٣٦]، أي عصيرًا يؤول إلى الخمر، قوله:
  ٤٣٧ - وَبَعْدَهُ الْكَوْنُ عليهِ وَالبَدَلْ ... وَسَبَبيَّةٍ مَعَ العَكْسِ حَصَلْ
  أَمَّا الكون عليه أي كون الحقيقي كان عليه المجازي كقوله تعالى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ}[النساء: ٢]، أي الذين كانوا يتامى قبل ذلك، إذ لا يُتْم بعدَ بلوغٍ، وأما البدلية أي كون أحد المعنيين بدلًا عن الآخر كقول الشاعر:
  أَكَلْتُ دَمًا إنْ لَمْ أَرُعْكِ بِضَرَّةٍ ... مُكَحَّلَةِ العَيْنَيْنِ طَيِّبَةِ النَّشْرِ(٢)
  أي الدية التي هي بدلٌ عن الدم، وأما سببية المعنى، أي كون المعنى الحقيقي سببًا للمجازي نحو: رعينا الغيث، أي النبات الذي سببه الغيث، وَعَكْسُهُ: أي كون المعنى الحقيقي مُسَبَّبًا عن المجازي نحو: أَمْطَرَتِ السماءُ نباتًا، وقول الشاعر:
(١) من قصيدة طويلة مطلعها:
إِنَّمَا التَّهْنِئَاتُ لِلْأَكْفَاءِ ... وَلِمَنْ يَدَّنِي مِنَ الْبُعَدَاء
قالها في دار بناها كافور بإزاء الجامع الأعلى على البركة و طالب أبا الطيب بذكرها فأنشدها ١/ ١٦٥ شرح ديوان أبي الطيب لعبد الرحمن البرقوقي.
(٢) اللباب في علم الكتاب ٧/ ٢٨٦.