فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

بيان المجاز المركب

صفحة 231 - الجزء 1

  في العقد، ويحتمل أن يكون مشتركًا بينهما، قال في الصحاح: النكاح الوطء، وقد يكون العقد، فإنه يحمل على معناه المجازي دون الاشتراك، وذلك لغلبَةِ المجاز في اللغة. ولهذا قال ابن جني: إن أكثر اللغة مجازٌ، والكَثْرَةُ تفيد الرجحان، ولأنه أبلغ، فإنَّ {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا}⁣[مريم: ٤] أبلغُ مِنْ شابَ الرأسُ باتفاق السلف؛ لأنه انتقال من الملزوم إلى اللازم، فهو كدعوى الشيء ببينة؛ لأن وجود الملزوم يقتضي وجود اللازم لامتناع انفكاك الملزوم عن لازمه، ولكونه لا يخل بالتفاهم، إذ يحمل الكلام مع القرينة عليه، وبدونها على الحقيقة بخلاف المشترك، فإنه لا يفهم مِنْهُ عند خفاء القرينة شيء بعينه. ثم أشار إلى ما يتميز به المجاز عن الحقيقية، فقال:

  ما يتميز به المجاز عن الحقيقة

  ٤٤٦ - وامتاَزَ عنْهَا كَونهُ لَا يَطَّرِدْ ... ثُمَّ بِصِدْقِ نفيهِ حيثُ يَرِدْ

  ٤٤٧ - وَغير ذاكَ مثل سَبْقِ الفهمِ ... فَافْهَمْ وخُذْ مَا قُلتْهُ عن علم

  أشار إلى ما يتميز به المجاز عن الحقيقة، وقد ذكر العلماء أمورًا كثيرة، مِنْهُا: عدم اطِّرَادهِ، وذلك بأن يستعمل اللفظ لوجود معنى في محل، ولا يجوز استعماله في محل آخر مع وجود ذلك المعنى فيه، نحو: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}⁣[يوسف: ٨٢] ولا يجوز: اسأل البناء، وكالنخلة تطلق على الإنسان لطوله، ولا تطلق على غير الإنسان كالخيل مثلًا، وقدح فيه بأن في الحقيقة ما لا يطرد أيضًا كالسخي يطلق على غير الله للجواد، ولا يطلق على الله، وهو الجواد، وكالقارورة تطلق على الزجاج، ولا تطلق على غيره من الآنية، مع وجود معنى الاستقرار فيها، فلا يكون الاطراد مُمِّيزًا، ومِنْهُا: صدق نفيه، أي نفي المعنى الحقيقي عن المعنى المستعمل المجاز فيه عند العقل، وفي نفس الأمر كقولنا: للبليد: ليس بحمار، وللرجل الشجاع: ليس بأسد، وَهِيَ علامة لكون اللفظ مجازاً، وفيه أنه يستلزم الدور؛ لأن صحة السلب وقف على معرفة المجاز، فلو وقف المجَاز على صحة السلب التزم الدور؛ لأَنَّا لا نعرف المجاز حتى نعرف نفيه، ولا نعرف النفي حتى نعرف المجاز، فتأمل، ومِنْهُا: سبق الفهم إلى أحد المعنيين بثبوت قرينة، فإنه يدل مع القرينة على المجاز، وفيه أن المشترك كذلك، فلا يكون سبق الفهم مُميَّزًا، ومِنْهُا: النص من أهل اللغة كالمبرد، وَأَبي عبيدة، وغيرهم: على أن هذا اللفظ حقيقة، وهذا مجازٌ، أو بأن ينصوا على حدِّه بأن يقولوا: هذا اللفظ في غير ما وضع له، أو بخاصية، كأن يقولوا: هذا مشروط