بيان المجاز المركب
بيان المجاز المركب
  ٤٤١ - وَقَدْ يَكُوْنُ يَا فَتَى مُركَّبَا ... وَذَاكَ في التمَثيْلِ حيثُ رُكِّبَا
  ولما فرغ من بيان المجاز المفرد: شرع في بيان المركب، وهو اللفظ المستعمل فيما شُبهَ بمعناه الأصلي تشبيه التمثيل إن كان وجهه منتزعًا من متعدد للمبالغة، والمراد بمعناه الأصلي، أي المعنى الذي يدل عليه ذلك الفظ بالمطابقة، وقولنا: إن كان وجهه منتزعًا ... إلخ: احترز به عن الاستعارة في المفرد، وذلك كما يقال: للمتردد في أمر: أراك تُقَدَّم رِجلًا وتؤخر أخرى؟ شَبَّهَ صورة تردده في الأمر بصورة مَنْ قام ليذهبَ في حاجة، فتارة يريد الذهاب فيقدِّم رجلًا، وتارة لا يريده فيؤخر أخرى، فاستعمل في الصورة الأولى الكلام الدال بالمطابقة، على الصورة الثانية، ووجه الشبه هو الإقدام تارة والإحجامُ أخرى، وهو منتزع من عدة أمور كما ترى، قوله:
  ٤٤٢ - وَقَدْ أَتَى المجازُ فِي الإِسْنَادِ ... فَافْهَمْ بَلَغْتَ غايَةَ المُرَاد
  اعلم أن المجاز قد يقع في الإسناد، ويسمى إسنادًا مجازيًّا، وهو إسناد الفعل، أو معناه إلى مَلابَس له بفتح الباء غير ما هو له، يعني غير الملابس الذي ذلك الفعل، أو معناه مبني له بتأول أي مع قرينة صارفة للإسناد من أن يكون ما هو له كقوله تعالى: {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا ٢}[الزلزلة: ٢]، نسب الإخراج إلى الأرض، وهو فعل الله حقيقة؟ {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ}[القصص: ٤] نسب التذبيح إلى فرعون وهو فعل الجيش حقيقة لكونه: سبب أمره، {فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ٢١}[الحاقة: ٢١] في المبنيِّ للفاعل مجازًا المسند إلى المفعول حقيقة، إذ: العِيْشَةُ مَرضِية، وسيلٌ مفعمٌ في عكسه. وقول المؤمن: أنبتَ الربيعُ البقلَ، فيما أسند إلى الزمن وجدَّ جدّه: فيما أسند إلى المصدر. قوله:
  ٤٤٣ - وللكلامِ فِيْهِ فَنٌّ آخَرُ ... فَاقْنَعْ هُنَا بِمَا بِهِ نَقْتَصِرُ
  أي أَنَّ لاِستيفاء الكلام في ذلك فنًّا آخر غير هذا الفن، وهو المعاني والبيان، وإنما ذكر هنا ما تدعو إليه الحاجة في علم الأصول، والله أعلم. قوله:
  ٤٤٤ - وان تَرَدَّدَ الكلامُ يا فَتَى ... بَيْنَ مَجَازٍ واشتراكٍ ثَبتَا
  ٤٤٥ - فَإِنَّهُ عَلَى المجازِ يُحْمَلُ ... كَمَا بِهِ أهلُ الأُصُوْلِ عَوَّلُوا
  أَشَارَ الناظم إلى كيفية العمل عند تردد الكلام بين المجاز، والاشتراك بمعنى احتماله لمعنى المجاز، ولمعنى الاشتراك، كالنكاح، فإنه يحتمل أن يكون حقيقة في الوطء مجازًا