التعارض بين العام والخاص
  باب واحد، والعمل فيهما متحد كما سيأتي، فقال:
  ٥٤١ - وَكُلَّ مَا دَلَّ بِمَعْنًى شَائِعِ ... في جِنْسِهِ حَقًّا بِغَيْرِ مَانِع
  ٥٤٢ - فَإنَّهُ المُطلَقُ والمقَيَّدُ ... خِلَافُهُ فاحرِصْ عَلَى مَا يُوْرَدُ
  أشار الناظم إلى بيان معنى المطلق والمقيد، فالمطلق: ما دل على شائع في جنسه، ومعنى كونه شائعًا في جنسه أن يكون مدلول ذلك اللفظ حصة محتملة لحصص كثيرةٍ مما يندرج تحت أمر مشترك من غير تعيين، فتخرج المعارف الست لما فيها من التعيين، إما شخصًا نحو: زيد، وأنت، وهذا، وإما حقيقة: كالرجل وأسامة، وَإِماَّ حِصَّةً معينةً نحو: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ}[المزَّمل: ١٦] وإما استغرقًا: نحو: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ٢}[العصر: ٢] والرجال، وكذا كل عام نحو: كل رجل ولا رجل، والفرق بينه وبين العام: أن العام على جهة الاستغراق، والمطلق على جهة البدل، وتحقيقه: أن للمفرد خمس حالات؛ لأنه إن دل على الماهية من حيث هي هي فالمطلق، أو مع وحْدَةٍ معينةٍ، فالمعرفة، أو غير معينةٍ فالنكرة، أو مع كثرة معينة فاسم العدد أو غير معينة، فالعام وظهر لك أن المطلق هو اللفظ الدال على الماهية من حيث هي، والمقيد بخلافه، وهو اللفظ الدال على مدلول معين كزيد وأنا وأنت، وهذا الرجل، والمراد بالمقيد هنا: ما أخرج من شائع في جنسه كرقبة مؤمنة فهي وإن كانت مطلقة في جنسها من حيث هي رقبة مؤمنة، فهي مقيدة بالنسبة إلى مطلق الرقبة والمبحوث عنه عند الأصوليين هو هذا لا ما تقدم من معناه، إذا عرفت هذا فالمراد بالإطلاق أن تذكر الاسم مجردًا ولا تقرن به صفة ولا شرطًا، ولا زمانًا، ولا عددًا، ولا ما أشبه ذلك من الصفات وهو نوع من أنواع العموم على البدل لا الاستغراق، والمراد بالمقيد أن يذكر اللفظ مقروناً بشيءٍ من ذلك، ومثال الإطلاق لامرئ القيس:
  مُهَفْهَفَةً بَيْضَاءَ غَيْرَ مُفَاضَةٍ ... تَرَائِبُهَا مَصْقُوْلةٌ كَالسَّجَنْجَلِ(١)
  يعني المرآة فَشَبَّهَ ترائبها بالمرآة مطلقًا، ومثال المقيد قول الآخر:
  وَخَدٌّ كَمِرآةِ الغَرِيْبَةِ أَسْجَحُ(٢)
(١) المعلقة ص ١٦ ط ١ دار الفكر لبنان - والمهفهفة: اللطيفة الخصر الغامرة البطن، والمفاضة: عكسها، ترائبها: موضع القلادة من الصدر، والسقل والصقل: إزالة الصدأ والدنس، والسجنجل: المرآة. لغة رومية عربتها العرب.
(٢) ينظر المخصص ٥/ ١٥٤، وديوان ذي الرمة، والبيت هو:
لَهَا أُذُنٌ حَشْرٌ وَذِفْرَى أَسِيْلَةٌ ... وخَدٌّ كَمِرْآةِ الْغَرِيبَةِ أَسْجَحُ