باب المجمل والمبين
  لما فرغ الناظم من بيان المطلق والمقيد شرع في بيان المجمل والمبين، والمجمل لغة: الشيء المجموع، يقال: أجمل الحساب، والمبهم، يقال: أجمل الأمر إذا أبهمه، وأصله من الجمل بمعنى الجمع، واصطلاحًا: ما ذكره الناظم وهو ما لا يفهم المراد به تفصيلًا، - فـ (مَا) - كالجنس يعم القول المفرد، والمركب والفعل والترك والقياس والتقرير كما سيأتي، وَقَوْلُنَا: تفصيلًا فصلٌ يخرج المبين، فيكون المبين: ما يفهم المراد مِنْهُ تفصيلًا، قال العلامة الموزعي: وَحَدُّهُ: الكلام الذي لا يستقل بنفسه في الكشف عن المراد مِنْهُ، وإنما يكشفه ويبينه غيره، وهو اسم لأشياء مجتمعة الأصول متشعبة الفروع أحدها: أن تحذف القِصَّيةُ أو بعضها مع الإشارة إليها فيتوقف فهم الكلام على معرفة القضية، وذلك كثير في الكتاب والسنة، ثانيها: أن يذكر المتكلم شيئًا مجهولًا عند السامع لا يعرف بيان كيفية معناه، وذلك كالصلاة، والزكاة عند العرب، فإنها كانت تجهل معناها في الشرع، فلا يعرف بيانه إلا من جهة النبي ÷، ثالثها: أن يعلق الحكم على الأسماء التي لا يعرف بيان حقيقتها إلا بضرب من الاحتمال والتقريب كالحين والزمان والدهر والغني، والفقير، فإنه لا يعرف الحد الذي ينبغي أن يسمى به فقيرًا، أو مسكينًا معرفة حقيقية إلا بضرب من التقريب، ولهذا بين النبي ÷ لأصحابه وهم أفصح العرب بقوله: «لَيْسَ المسْكيْنُ هُوَ الطَّوَّافَ الَّذيْ يَطوفُ فَتَردُّهُ الَّلقْمَةُ وَاللَّقْمَتَانِ وَالتَّمرةُ والَّتمْرَتَانِ وَلَكِن المسْكِيْنُ الَّذيْ لَا يَجد غِنىً يُغْنِيهِ، وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فَيتصَّدقُ عَلَيْه وَلا يَسْأل الْنَّاسَ»(١) ولأجل هذا اختلف الناس في تفسير الفقير والمسكين، ولو كان له حد في اللغة لرجوع إليه، وبيان هذا الصنف من بيان الصنف الذي يليه، رابعها: أن يذكر المتكلم شيئًا معلومًا، ولكن أجزاؤه متفاوتة، ويُعلق عليها حكمًا، ولا يدرى هل المراد بالحكم أدنى درجاته أو أقصاها، وذلك كقوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}[البقرة: ١٩٦] والرجوع شيء معلوم وله بداية ونهاية، ولم يعقل من اللفظ أن المراد بالرجوع ابتداؤهُ أو انتهاؤه، ومثل ما قد علم الفرق بين قليله وكثيره، وعلق الحكم بأحدهما، ولكن لا يعلم ما حد ذلك القليل والكثير، وبيان هذا النوع والذي قبله أن يصرفه إلى حد شيء من أنواع الدلالة، إما أن يوجد فيه قول أو فعل من النبي ÷، أو من أحد من الصحابة، ولو قلنا: إنه ليس بحجة على القول
(١) درر الأحاديث النبوية بالأسانيد اليحيوية الباب الثاني، ومسلم ٥/ ٢٤٣ برقم (١٧٢٢)، والنسائي برقم (٢٥٢٥)، وأحمد برقم (٧٨٤٠)، والموطأ برقم (١٤٤٠)، اليحيوية والبيهقي السنن الكبرى برقم (١٣٥٢٥).