فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

باب المجمل والمبين

صفحة 277 - الجزء 1

  الجديد للشافعي ¥، أو اعتباره ببعض الأصول التي قد ثبت فيها الحدود والتقديرات، إذا لم يوجد شيء يرد إليه أولى مِنْهُ، وإن خرج ذلك عن تحقيق القياس؛ لأن التقريب والإعمال خير من التعطيل والإهمال، وإن لم يوجد في الأصول ما يرد إليه رجع في بيانه إلى النظر فيما قصد له ذلك الشيء، فما أدّى إلى إسقاط المعنى المقصود ترك، وما لم يسقطه اعتبر، وإن لم يوجد بيانه فيما قصد له من ذلك القصد رجع في بيانه إلى ضَرْبٍ من التقريب مما يُعقل، ويُعرف، وسأبين ذلك كله بأمثلة. فمثال ما وجد فيه من النبي ÷ قولٌ، قوله: في بيان الرجوع: «وسبعةٍ إذا رجع إلى أهله»، وحد المسكين من قوله: «الذي لا يجد غنى يغنيهِ»، ومثال ما وجد فيه من الصحابي قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ}⁣[النساء: ١٠١] فرجع الشافعي فيه إلى قول ابن عباس وابن عمر: القصر في أربعة بُرُدٍ.

  قُلْتُ: وعند أصحابنا بريدٌ، ومثال ما وجد فيه الاعتبار ببعض الأصول قوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}⁣[البقرة: ١٩٦] وحاضرو المسجد الحرام مَنْ قَرُبَ مِنْهُ، ولما كان حد الحضور والقرب مذكور ولا معلوم رجع في بيانه إلى أقل ما وجد في الشرع من المسافات القريبة التي تتعلق بها الأحكام فلم يوجد أقل من مسافة القصر.

  ومثاله قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ...}⁣[الطلاق: ٧] الآية. فألزم الله سبحانه وتعالى كل واحد على قدر حاله، وذلك غير محدود، فرجع في نفقة العسر إلى أقل ما وجد من وجود الإطعام وهو قَدْرُ مُدٌ، وذلك في كفارة المفطر في رمضان، وفي الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصوم، ورجع في نفقة الموسر إلى أكثر ما وجد في ذلك، وهو مُدَّانِ في فدية الأذى، ورجع في نفقة المتوسط إلى مُدٍّ ونصف؛ ليكون ما زاد على المد مقسومًا بين الحالين؛ لارتفاعهِ عن درجة المعسر، ونزوله عن درجة الموسر، فإن كان لخادم الزوجة نفقة جعلت نفقة الخادم على المعسر مُدَّان كنفقةِ الزوجة نفسها؛ لأن ذلك أقل الكفاية، ولا بد مِنْهُ، ولم يقدر في الشرع مقدارً أقل مِنْهُ، ولم يلتفت إلى كمال الزوجة، ونقصان الخادمة في حال الضيق؛ اعتبارًا بتسوية الله سبحانه بين الأب الذي له ثلثا المال، وبين الأم التي لها ثلث المال في حال الضيق؛ حتى يتساويا في السدس، وإن كان الزوج موسرًا احتيج إلى الزيادة كما احتيج إلى ذلك في نفقة الزوجة ولم تكن التسوية بينهما في الزيادة؛ لكمال الزوجة، ونقصان الخادمة، فاعتبر ذلك بذوي التفضيل من أصحاب الكمال وغيرهم إذا