تعبد النبي ÷ بالاجتهاد
  يدعون أن الاجتهاد قد صار متعذراً مع اطلاعهم على نصوص كثير من العلماء قديمًا وأخيرًا أن المعتبر في الاجتهاد لا يزيد على ما ذكرنا، فأين التعذر؟ بل هو على من علت همته وأنف عن رذائل التقليد أيسر من طلب نقل ما فرَّعته الأئمة السابقون، فإن تفريعهم قد بلغ في الاتساع مبلغًا عظيماً، يشق حمله، ويصعب نقله، ولو اشتغل طالبه بطلب الاجتهاد بلغهُ في مدة أقصر من مدة نقله لما فرَّعوه، وصار بذلك غنياً عنهم رفيعًا عن وهطة التقليد. انتهى كلامه، وَهِيَ جديرة بأن تكتب بماء الذهب، ولا بدَّ مع ذلك من ذكاء يتمكن به من استنباط الأحكام فإنه قد شوهد مَنْ جَمَعَ هذه العلوم أو أكثرها ولا يتمكن من الاستنباط؛ لعدم فقه نفسه، وبعضهم اشترط الحد والبرهان من المنطق، ولهذا جعله أكثر المصنفين من مقدمات الأصول كابن الحاجب وصاحب الغاية وغيره، وهو جدير بأن يشترط، إذ لا غنى للفطرة عن معرفته؛ إذا عرفت هذه الشروط فإنما هي في حق المجتهد المطلق، فأما المجتهد في حكم دون حكم أو باب دون باب، أو فن دون آخر، فسبيله أن يعرف ما يتعلق بذلك المجتهد فيه. قوله:
تَعَبُّدُ النَّبِيِّ ÷ بِالاجْتِهَادِ
  ٦٠٧ - وفي تَعَبُّدِ النبيِّ المصطَفَى ... بالاجتهادِ في النُصُوْصِ اخْتُلِفَا
  ٦٠٨ - وَقِيْلَ لَا يَجُوْزُ ذاك أَصْلَا ... وقيل بَلْ يجوزُ ذاك عَقْلَا
  ٦٠٩ - وَقِيْلَ بِالوَقْفِ على ما عُرِفَا ... لا قَطْعَ بالوُقُوْعِ أو بِالإِنتِفَا
  اعلم أنه اختلف في تعبده ÷ بالاجتهاد فيما نص فيه من الأحكام الشرعية على قولين، المختار مِنْهُما ما أشار إليه الناظم، وهو قول المصنف والمنصور بالله وأبي طالب وحكايته في (المجزي) عن أبي عبد الله البصري والشيخ الحسن وغيرهم، وهو جواز تعبده ÷ بالاجتهاد عقلاً؛ إذ لا يمتنع تعلق المصلحة به في العقل فيكون حكمه حكمنا في تعلق المصلحة بالتوصل إلى كثير من الأحكام من طريق القياس والاجتهاد فيتعبد بذلك كما تعبدنا، وحكي عن بعض أئمتنا المنع، لأنه ÷ قادر على اليقين في الحكم بانتظار الوحي فيحرم عليه الظن الذي لا يحصل من الاجتهاد سواه، واختلف القائلون بالجواز، فقال أبو طالب وأكثر المعتزلة: إنه لم يقع؛ لقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ٣ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ٤}[النجم: ٣] إذ معناه أن كل ما ينطق به عن وحي وهو ينفي