فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

تعبد النبي ÷ بالاجتهاد

صفحة 304 - الجزء 1

  الاجتهاد، وقال الشافعي ويوسف وارتضاه ابن الحاجب بوقوعه لما روي عنه ÷ من تخويله في قتلى خالد بن الوليد وإيجابه في كلٍّ نصفَ الدية⁣(⁣١)، وما روي أن سعد بن الربيع وكان نقيبًا من نقباء الأنصار نشزت عليه زوجته حبيبة بنت زيد بن زهير فلطمها فانطلق بها أبوها إلى النبي ÷ فقال: أفرشته كريمتي فلطمها، فقال النبي ÷: «لِتَقْتَصَّ مِنْهُ» فنزل قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ}⁣[النساء: ٣٤] الآية؛ فقال النبي ÷: «أَرَدْنَا أَمْرًا وأَرَادَ اللهُ أَمْرًا والذي أَرَادَ خَيْرٌ» ورفع القصاص، وكذا قال الزهري: لا قصاص بين الرجل وزوجته فيما دون النفس ولكن يجب العقل وغير ذلك، وقوله: وقيلَ بالوقفِ: أشار به إلى ما اختاره المصنف وهو ما ذهب إليه القاضي عبد الجبار وأبو الحسين وارتضاه الإمام يحيى وعزاه إلى أكثر علماء الأصول من أنه لا قطع بوقوع ذلك ولا انتفائه؛ لتعارض الأدلة كما سبق، قوله:

  ٦١٠ - وَأَنَّهُ وَقَعَ مِمَّنْ عاصَرَا ... لَهُ يَقِيْنًا غَيْبَةً وَمَحْضَرا

  اعلم أن أهل الأصول اختلفوا في وقوع الاجتهاد ممن عاصره ÷ في غيبته لخبر عمرو بن العاص قال: كنت في غزوة ذات السلاسل احتلمتُ في ليلة باردة فأشفقت على نفسي إن اغتسلت بالماء هلكت، فتيممت وصليت بأصحابي صلاة الصبح، فذكرت ذلك لرسول الله ÷ فقال: «يَا عَمْرُوصَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ»؟ فَقُلْتُ: سَمِعْتُ اللَّهَ تَعَالى يقول: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ٢٩}⁣[النساء: ٢٩] فَضَحِكَ رَسُوْلُ اللَّهِ ÷ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا⁣(⁣٢)، وفي حضرته أي موضع مجلسه: كتحكيم سعد بن معاذ في بني قريظة، وذلك أنه ÷ قال لهم: «أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَحْكُمْ فِيْكُمْ رَجُلٌ مِنْكُمْ؟» قالوا: بَلَى قَال: «فذلك إلى سعد بن معاذ» وقد كان سعد جعله النبي ÷ في خيمة في جانب مسجده؛ ليعودَهُ من قريب، فأتاه قومه فاحتملوه على حمار، وأقبلوا به وهم يقولون: يا أبا عمرو أحسن في مواليك، فقال لهم: قد آن لسعد ألاَّ تأخذه في الله لومة لائم، فحينئذ أَيِسَ قومه من بني قريظة ونعوهم إلى أهلهم قبل أن يحكم، فحكم سعد بقتل الرجال وقسمة الأموال وسبي الذراري


(١) تفسير عبد الرزاق ١/ ٢٠٠، والطبري ١١/ ٣٤٨، والكشاف ١/ ٤٠٥.

(٢) النور الأسنى ١/ ٦٦ باب الطهارة بالتراب وهو بنصه وفصه في سنن أبي داود ١/ ٤٠٩ رقم (٢٨٣)، وأحمد برقم (١٧١٤٤)، والدارقطني ٢/ ٢٦٠ برقم (٦٩٣).