فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

فصل في التقليد

صفحة 319 - الجزء 1

  ٦٦٦ - وذَلِكَ الطَّالِبُ غيرُ مُلْتَزِمْ ... فَقِيْلَ أَخْذُهُ بِأَوْلَى مَا رُسِمْ

  ٦٦٧ - وَقيلَ بَلْ بِماَ يظُنُّهُ الأَصَحْ ... وَقِيلَ بَلْ مُخَيَّرٌ كَمَا وَضَحْ

  ٦٦٨ - وقيلَ بَلْ يَأْخُذُ بالأخفِّ ... في حَقِّ ذِيْ العِزَّةِ مَوْلَى اللُّطْف

  ٦٦٩ - أَوْ كانَ فِيْ حَقِّ العِبَادِ فَالأشَدْ ... فَاحْفَظْ هَدَاكَ اللَّهُ مِنْهُجَ الرَّشَدْ

  أشار بهذا إلى قول العلماء فيما إذا اختلف المفتون على المستفتي غير الملتزم، إذ لو كان ملتزمًا وجب عليه اتباع من التزم مذهبه مِنْهُم، وملخص الأقوال: ما ذكره الناظم بقوله: فقيل: وهو القول الأول أن يأخذ بأَوْلَى ما رُسِمْ: أي بأوَّلِ فتيا صدرت في رُخَصِ قائلها وعزائمه، لأنه قد ثبت أن كل واحدٍ لا مزية له على صاحبه في جواز الرجوع إليه، وإذا لم يكن هناك مزية فانتقاله إلى مذهب آخر في حادثة أخرى اتّباعٌ للهوى والتشهي، والشرعُ لا يقول بذلك. قُلْتُ: والجواب ما تقدم من الإجماع على عدم إلزام من استفتاهم بالأخذ بأول فتيا في الرد على كلام المنصور بالله، وقيل: بل يَأْخُذُ بما يظنه الأصح من أقوالهم، وقيل: بل يخير فيأخذ بأي الفتاوى شاء في أي حادثة من دون حجر، لأن المفروض استواؤهم في العلم والورع ونحوهما فليس بعضهم حينئذٍ أولى من بعض، فله أن يسأل ثانيًا من سأل أوَّلًا، وأيضًا فإن ذلك قد وقع كما سبق من الصحابة وغيرهم، واختاره في (المعيار) و (الفصول)، وقيل: بل يُفَصَّلُ بأن يقال: يأخذ بالأخف من أقوالهم إذا كان ذلك في حق الله تعالى؛ لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}⁣[البقرة: ١٨٥] {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}⁣[الحج: ٧٨] فالأخذ في حقه يوافق الآيتين، ويأخذ بالأشدَّ في حق العباد، لأنه الأحوط، وقيل: بل يخير في حق الله، فيأخذ بأيها شاء، لأنه أسمحُ الغرماء، ولما تقدم، ويعمل في حق العباد بحكم الحاكم، لأنه أقطع للشجار، وهذا القول الأخير لم يذكره الناظم، اكتفى بذكره هنا، والله أعلم، قوله:

  ٦٧٠ - هذا وَمْنَ لمْ يَعْقِلِ التَّقْلِيْدَا ... ولم يكنْ فِي أمْرِهِ رَشِيدَا

  ٦٧١ - فَإِنَّهُ يُقَرُّ في الحُكمِ عَلَى ... مَا لَمْ يَكُنْ يَخْرِقُ إِجْمَاعًا جَلَا

  اعلم أن الكلام المتقدم إنما هو فيمن يعقل كيفية التقليد، فأما من لم يعقل كيفية التقليد والاستفتاء من العوام فقد أشار إليه بقوله: هذا ومن لم يعقلِ ... إلخـ وذلك لفرط عاميته بأن يكون صِرْفًا، لا رشد له، كما نشاهده في عوام هذا الزمان من جميع الطوائف، بل ممن يتحلى