فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

فصل في الدليل

صفحة 71 - الجزء 1

  إليه الحكماء، وقوله: والتصورُ خِلَافُهُ: أي إذا لم يكن إذعانًا للنسبة المذكورة فهو التصور وسمي به، لحصول صورة المفرد في الذهن؛ والتصور: إما إدراك لأمرٍ واحد: كتصور زيد؛ أو لأمور متعددة بدون نسبة: كتصور زيدٍ، وعمرو، وبكرٍ، ونحو ذلك؛ أو مع نسبةٍ غير تامة لا يصح السكوت عليها نحو: غلام زيد، ورجل فاضل، وقائم في الدار؛ من النِّسَبِ التقييدية؛ وَهِيَ التي يكون فيها الجزء الثاني قيداً للأول: كالحيوان الناطق؛ أو المركب من الحرف والاسم نحو: في الدار؛ أو مع نسبة تامة إنشائية: كتصور اضربْ، ولا تضربْ؛ أو خبرية مدركة بإدراكٍ غَيْرِ إِذْعَانِيٍّ كما في التخيل، والشك والوهم، قوله:

  ٦٠ - ثُمَّ هُمَا يَقتَسِمَانِ يا فَتَى ... قِسْمَيْنِ بالضرورةِ الضرورةَ

  ٦١ - والاكتسابُ حَاصِلٌ بالنظرِ ... فلا تَكُنْ عن فَهمِه بِمُقْصِر

  الضميرُ فِيْ هُمَا: عائد إلى التصور والتصديق، والاقتسام بمعنى القسمة على ما ذكره في الأساس⁣(⁣١)، أي يقتسم التصور كُلًا من وصفي الضرورة، أي: الحصول بلا نظر، والاكتساب بالنظر، فيأخذ التصور قِسْمًا من الضرورة، فيصير ضروريًا، وقِسْمًا من الاكتساب، فيصير كَسْبِيَّا؛ وكذا الحال في التصديق، فالمذكور صريحًا في هذه القسمة هو انقسام الضرورة والاكتساب، ويعلم انقسام كل من التصور والتصديق إلى الضرورة والمكتسب، ضِمْنًا وكناية، وهو أبلغُ وأحسنُ من التصريح، وقوله: بالضرورة: إشارة إلى أن هذه القسمة بديهية لا تحتاج إلى تجشم الاستدلال كما ارتكبه أقوام، وذلك: أَنَّا إذا رجعنا إلى وجداننا وجدنا من التصورات: ما هو حاصل لنا بلا نظر: كتصور الحرارة، والرطوبة، والبرودة، ومنها: ما هو حاصل بالنظر والفكر: كتصور حقيقة الإنسان والملَك والجن، فإن تصور الإنسان متوقف على تصور الحيوان، والناطق، وتصور الملَكِ متوقف على تصور الجوهر اللطيف النوراني الذي من شأنه أن يتشكل بأشكال مختلفة، وتصور الجن متوقف على تصور الجوهر اللطيف الناري الذي من شأنه أن يتشكل بأشكال مختلفة، وكذا من التصديقات ما يحصل بلا نظر: كالتصديق بأن الشمس مشرقة والنار محرقة، والكل أعظم من الجزء، ومنها: ما يحصل بالنظر: كالتصديق بأن العالم حادث، والصانع موجود، وذلك إنما يحصل بالنظر في مقدمات الدليل وتأليفها بشروطها


(١) المراد به: أساس البلاغة والله أعلم.