فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

ثبوت الكذب على النبي ÷ أسبابه وأنواعه

صفحة 95 - الجزء 1

ثُبُوتُ الكَذِبِ عَلَى النَّبِيِّ ÷ أَسْبَابُهُ وَأَنْوَاعُهُ

  واعلم أنه قد كُذب على الرسول ÷ قطعًا: لقوله ÷ فيما يروى عنه: «إِنَّهُ سَيُكْذَبُ عَلَيَّ كَمَا كُذِبَ عَلَى الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي فَمَا رُوِيَ عَنِّي فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللهِ، فَمَا وَافَقَهُ فَهْوَ مِنِّي وَأَنَا قُلْتُهُ، وَمَا لَمْ يُوَافِقْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَمْ أَقُلْهُ»⁣(⁣١) فإن كان هذا الحديث صحيحًا لزم أن يقع الكذب وإن كان كاذبًا فقد كذب عليه، وسبب الكذب على الرسول الصادق ÷ إما النسيانُ من الراوي: بأن يسمع خبرًا وطال عهده به، فزاد أو نقص أو ظنه من كلامه فعزاه إليه، ومن هذا النوع الذين امتحنوا بأودلاهم أو بوراقين لهم، فوضعوا لهم أحاديث ودسوها عليهم، فحدثوا بها من غير أن يشعروا؛ كعبد الله بن زمعة القذامي أو الغلط: بأن يريد أن ينطق بلفظ فيسبق لسانه إلى غيره ولم يشعر، أو يريد النقل بالمعنى فيبدل مكان ما سمعه مالا يطابقه، ظنًا مِنْهُ أنه يطابقه، أو الافتراء: كوضع المنافقين المتقرِّبيْنَ إلى أئمة الضلال بالزور والبهتان كغياث بن إبراهيم النخعي: قال فيه ابن الجوزي⁣(⁣٢): إنه حدث المهدي العباسي وهو يلعب بالحمام بحديث (لا سبق إلا في نصل أو خفٍ، فزاد فيه: أو جناح فقال المهدي: أشهد أن قفاك قفا كذاب، وتركها بعد ذلك وأمر بذبحها، وقال: أنا حملته على ذلك، وكوضع الزنادقة لأحاديث مخالفة للعقل ونسبوها إلى الرسول ÷ تنفيرًا للعقلاء من اتباع شريعته، وكوضع من يريد الانتصار لمذهبه كالخطابية: وهم صنف من الروافض منسوبون إلى عمر بن خطاب الأسدي، قالوا: الأئمة الأنبياء، وابن خطاب نبي، وهؤلاء يستحلون شهادة الزور لموافقيهم على مخالفيهم، وقالوا: الجنة نعيم الدنيا والنار آلامها، وكذا الرافضة والسالمية مِنْهُم، وكوضع المتكسبين بذلك والمرتزقين به كأبي سعيد المدايني قال فيه ذلك الحافظُ زينُ الدِّيْنٍِ العراقي، وكوضع من ألجئ إلى إقامة دليل فيما أفتى به كما نقل عن أبي الخطاب بن دحية⁣(⁣٣) أنه وضع حديثًا في قصر صلاة المغرب وكما حكي عن عبد العزيز بن الحارث التيمي الحنبلي من رؤساء الحنابلة وأكابر البغاددة، روى الخطيب الهيثم بإسناده إلى عمرة بن مسلم، قال: حضرت


(١) كنز العمال ١/ ١٩٦ رقم (٩٩٣)، والطبراني في المعجم الكبير رقم (١٣٢٢٤).

(٢) ابن الجوزي: عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي البغدادي (ت ٥٩٧ هـ)، أعلام الزركلي ٣/ ٣١٦.

(٣) أبو الخطاب بن دحية: عمر بن الحسن الكلبي (ت ٦٣٣ هـ)، أعلام الزركلي ٥/ ٤٤.