عدة الأكياس في شرح الأساس لعقائد الاكياس،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

[دليل الاختلاف]

صفحة 140 - الجزء 1

  فكِّر في لون السماء وما فيه من صواب التدبير فإن هذا اللون أشد الألوان موافقة للبصر وأعون على تقويته، ألا ترى أن من صفات الأطباء لمن أصابته آفة أضرت ببصره أن يُدْمِنَ الاطلاع في الماء والخضرة، ويجعل تلقاء عينيه إجَّانَةً⁣(⁣١) خضراء فيها ماء، فانظر كيف جعل أديم السماء بهذا اللون الأخضر الذي يضْرب إلى سواد؛ ليمسك البصر المُتقلب فيه المُدمنَ على رؤيته!

  فكِّر في طلوع الشمس وغروبها لإقامة دَوْلَتَي الليل والنهار، فلولا طلوعها لبطل أمر العالم كله، فكيف كان الناس يسعون في معايشهم ويتصرفون في أمورهم والدنيا مظلمة عليهم؟ وكيف كانوا يتهنئون بالحياة مع فقدهم النور ولذَّتَه وَرَوْحَهُ، فالأَرَبُ في طلوعها ظاهر يُستغنى بظهوره عن الإطناب فيه، ولكن تأمل المنفعة في غروبها فإنه لولا غروبها لم يكن للناس هدوء ولا قرار ولا راحة، مع عظم حاجتهم إلى ذلك؛ لراحة أبدانهم، وجموم⁣(⁣٢) حواسهم، وانبعاث القوة الهاضمة للطعام، وتنفيذ الغذاء إلى الأعضاء، ثم كان الحرص يحمل بعض الناس من أهل الحرص على مداومة العمل ومتابعته؛ لتكثر منافعهم واكتسابهم فيضر ذلك بقواهم وبأجسادهم، فإن كثيراً من الناس لولا جثوم هذا الليل عليهم بظلمته لما هدأوا عن العمل رغبةً في الكسب، ولا قرُّوا، وربَّما أدَّاهم ذلك إلى التلف.

  ثم كانت الأرض تَحْمَى بدوام شروق الشمس عليها واتصاله بها حتى يحرق كل ما كان عليها من حيوان ونباتٍ، إلى غير ذلك من المصالح والمنافع، فصار النور والظلمة على تضادهما - متعاقبين على مصلحة الخلق وقوامِ العالم ومنافعهم⁣(⁣٣).


(١) الإجَّانة - بِالتَّشْدِيدِ -: إنَاءٌ يُغْسَلُ فِيهِ الثِّيَابُ، وَالْجَمْعُ أَجَاجِينُ. (المصباح المنير).

(٢) الجموم ذهاب الإعياء يقال: جم الفرس إذا ذهب إعياؤه. (من هامش الأصل).

(*) كأن الجم راحة الحواس، قال في المعجم الوسيط: أجم الإنسان والفرس ونحوهما: استراح فذهب إعياؤه.

(٣) في الأصل و (ب): ومنفعتهم.