[دليل القياس العقلي]
  وأما منافع ما بث الله سبحانه وتعالى في الأرض والسماء من الخلق العجيب من صنوف الحيوانات وأنواع الثمار والنبات، ومسير الشمس والقمر في البروج، وتعاقبهما فوجه الحكمةِ فيه واضح، وسبوغ النعمة فيه للمخلوقين ظاهر لأُولي البصائر، وجميع ذلك لا يكون إلا بتدبير مُدبرٍ حكيمٍ مختارٍ، وهو الله جل وعلا شأنه، فتبارك الله أحسن الخالقين.
  (ولزم تقدمه) أي: ذلك الفاعل (ضرورةَ عدمِ اختياره وعدم صحة كونه فاعلاً لولا تقدمه) أي: لأجل أنه يعلم بضرورة العقل أنه لو لم يتقدم الفاعل على فعله لكان غيرَ مختارٍ وغيرَ فاعلٍ، وقد ثبت كونه فاعلاً مختاراً؛ فثبت تقدمه.
[دليل القياس العقلي]:
  (وأيضاً هما) أي: السماوات والأرض - وهذا دليل ثالث - (كالمبنيات) من الدور والقرى مما يعمله البشر ويضم بعضه إلى بعض؛ (إذ لم تثبت(١) الزيادة والنقصان، والتحويل والتبديل، والجمع والتفريق في المبنيات إلَّا لأنها محدثة) مقدورةٌ لقادر متقدمٍ عليها؛ إذ لو كانت قديمةً لاستحال الإمكان فيها.
  (والفارقُ) بين السماوات والأرض والمبنيات التي يبنيها البشر في وجه العلة (معدومٌ)، ودليل القياس العقلي مفيد للعلم، وهو الحجة العظمى التي احتج بها الله تعالى على من جحد وكفر(٢)، حيث قال ø: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ} الآية [يس ٧٨]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى} الآية [الواقعة ٦٢].
  (وأما غيرهما) أي: غير السماوات والأرض (مما ذكره الله في سياق الآية) المتقدم ذكرها (فحدوثُه مُدركٌ ضرورةً) أي: بضرورة العقل، أي: بالعيان والمشاهدةِ والعلمِ الذي لا يحتاج إلى نظر واستدلال، بل عُلِمَ بالضرورة أنه كان
(١) في الشرح الكبير: يمكن.
(٢) هو أبي بن خلف، نزلت فيه حين قال: من يحيي العظام وهي رميم. من هامش (ب).