(فصل): في ذكر الإدراك في حق الله تعالى
  ومما يؤيد قولَنا «أنهما بمعنى عالم» قولُ أمير المؤمنين #: (عَيْنُهُ المشاهدة لخلقه، ومشاهدتُه لخلقه أن لا امتناع منه، وَسَمْعُهُ الإتقانُ لبريته، ومشيئته الإنفاذ لحكمه، وإرادته الإمضاء لأموره)، وقولُ محمد بن القاسم #: وقول الله «سميع بصير» يريد بذلك أنه(١) لا تخفى عليه الأصوات المسموعة كلها، وأنه عالم بالأشخاص والأشباح وصفاتها وهيئاتها وباطنها وظاهرها لا يخفى عليه شيءٌ من دَرْك الأبصار مما تدركه الأبصارُ منها كلها، بل دركه لها وعلمه بها أجود وأبلغ من دَرْكِ الأبصار كلِّها.
  (قالوا) أي: من خالفنا من المعتزلة ومن تبعهم: (بل هما) أي: سميع بصير (حقيقة كذلك) أي: لغوية (لمن يصح أن يدرك المسموع والمُبْصَرَ بالحياة) لا بغيرها - شاهداً وغائباً.
  وهذا قول جمهور المعتزلة.
  وعند أبي هاشم ومن تابعه أنهما حقيقة كذلك لمن يصح أن يدرك المسموع والمبصر بالحياةِ بشرط عدم الآفة شاهداً وغائباً.
  (قلنا) في الرد عليهم: (الأعمى والأصم حَيَّان و) هما (لا يدركان المسموع والمبصر) قطعاً، فلو كانت الحياة مقتضيةً للإدراك كما زعمتم لأدركا المسموع والمبصر؛ لوجودها فيهما.
  (قالوا: إنما لم يُدركا لمانع وهو الآفة) الحاصلة في السمع والبصر.
  (قلنا: تلك الآفة) إنما (هي سلب ذلك المعنى) الذي ركَّبه الله سبحانه في الحدق وفي الصِّماخين؛ فثبت أن الإدراك به، فلما سلبه الله تعالى من الحاسَّة بطل الإدراك، (وإلا) أي: وإن لم يكن الإدراك بذلك المعنى ولم يكن سلبه هو المانع من الإدراك (لزم أن لا يدرك المأيوف بغير سلبه) أي: يلزم أن لا يدرك من كان
(١) في الأصل: أنها، وفي (أ): أنه.