فصل: [في عدم ثبوت ذوات العالم في الأزل]
  يوجده عليها، وكذلك يقدرُ [الله(١)] على اختراعِ المقدور المعدوم - جسماً كان أو عَرَضاً - وإيجادِهِ من العدم كما ذلك في حكم المعلوم بضرورة العقل، مثل المشاهدات من السحاب والمطر والأشجار وغير ذلك.
  وقال (بعض صفوة الشيعة، وبعض المعتزلة)، كالشيخ أبي هاشم، وأبي عبد الله، وقاضي القضاة، وغيرهم: (بل يجب ثبوتها) أي: ثبوت ذوات ذلك المعلوم والمقدور في العدم. قالوا: (ليصح تعلق العلم والقدرة بها) أي: بالذوات المعدومة؛ (إذ لو لم تكن ثابتة) في العدم (لم يكن تعالى عالماً ولا قادراً)؛ لاستحالة تعلق العلم والقدرة - بزعمهم - بالمعدوم.
  (قلنا:) قولكم ذلك (يستلزم الحاجة) على الله تعالى إلى ثبوت ذلك في الأزل؛ ليصح علمه بها(٢) وقدرته عليها (وقد مَرَّ بطلانها) أي: الحاجة على الله سبحانه؛ إذ هو الغني عن كل شيءٍ؛ (فلزم بطلان ما يستلزمها) وهو ثبوت الذوات في العدم، (ولا فرق أيضاً بين الثبوت والوجود في) اللغة (العربية) عُلِمَ ذلك بالاستقراءِ وتناقضِ قول القائل: ثَبَتَ ولم يُوجَد، أو وُجِد ولم يَثْبُت، (فلو كان لفظ «ثابت» يُطلق عليها في الأزل حقيقةً كما زعموا لكان لفظ «موجود» كذلك) أي: يطلق عليها في الأزل، أي: في العدم، (ولكانت) حينئذٍ (لا أول لوجودها) كما زعموا أنه لا أول لثبوتها، (وبطلان ذلك متفق عليه) منا ومنكم إلا من أنكر حدوث العالم.
  (وأيضاً) فإنَّا نقول: إنَّ (علم الله تعالى متعلق بصفةِ ما سيكون الوجودية) أي: الصفة الوجودية؛ لأن الله تعالى يعلم صفات المعدوم كما يعلم ذاته، وهذا لا يمكن دفعه، وقد زعمتم أنه يستحيل تعلق علم الله سبحانه بالمعدوم، (فلو كان) تَعَلُّقُ علمِ الله سبحانه بالمعدوم (يوجبُ الثبوتَ لزم أن يكون ما سيكون) من
(١) لفظة «الله» ليست في الأصل، وفي (أ، ب) بدلها: تعالى.
(٢) لفظ «بها» مثبت من (ش ك).